شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٨٤
وإنما قال كذلك، لأن ما هو خبيث الذي هو مشتمل بوجه آخر على المعاني الطيبة في نفسها، فإنه مظهر من مظاهر الهوية الإلهية، وهي الطيبة، وإن كان خبيثا في الظاهر. وأيضا، لو لم يكن كذلك، لما وجد من الطيب الحقيقي، إذ لا بد من المناسبة بين العلة والمعلول ولو بوجه ما. وفي الحقيقة خبث الخبيث و طيب الطيب أمران نسبيان، يعودان إلى المدرك، وليس في نفس الأمر إلا الطيب.
(فما حبب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلا الطيب من كل شئ، وما ثمة إلا هو.) أي، وما يكون في حضرته إلا الطيب.
(وهل يتصور أن يكون في العالم مزاج لا يجد إلا الطيب من كل شئ ولا يعرف الخبيث، أم لا؟ قلنا: هذا لا يكون: فإنا ما وجدناه في الأصل الذي ظهر العالم منه، و هو الحق، فوجدناه يكره ويحب، وليس الخبيث إلا ما يكره، ولا الطيب إلا ما يحب) على المبنى للمفعول. (والعالم على صورة الحق.) ولا يتوهم أن قول الشيخ: (فإنا ما وجدناه في الأصل) ينافي ما ذكرناه، لأن الحق يحب وجود كل شئ ويريده، فيوجده، سواء كان طيبا أو خبيثا. ولو كان يكره شيئا ما مطلقا، لما أوجده وما يتعلق إرادته به. وقوله: (فوجدناه يكره و يحب). محمول على أنه تعالى في المظاهر يحب الشئ ويكرهه، لا في مقام جمعه، فإن (الكراهة) من الصفات المنسوبة إلى العالم (الضحك) و (الاستهزاء) و غيرهما، فما هو منسوب إلى الله في القرآن والحديث، كقوله تعالى: (الله يستهزئ بهم). (وضحك الله البارحة مما فعلتما).
(والإنسان على الصورتين.) أي، مخلوق على صورتي الحق والعالم.
(فلا يكون ثمة مزاج لا يدرك إلا الأمر الواحد من كل شئ.) إما الطيب، و إما الخبيث. (بل ثمة مزاج يدرك الطيب من الخبيث) إذ لا خبيث إلا وله نصيب من الطيب، ولو بالنسبة إلى بعض الأمزجة.
(مع علمه بأنه خبيث بالذوق طيب بغير الذوق، فيشغله إدراك الطيب منه عن الإحساس بخبثه.) كما روى عن بعض المشايخ أنه مر مع جمع من المريدين،
(١١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1179 1180 1181 1182 1183 1184 1185 1186 1187 1188 1189 ... » »»