شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٥٧
هو الروح المحمدي هو دليل على نفسه في الحقيقة، ليس بينه وبين ربه امتياز إلا بالاعتبار والتعين، فلا غير ليكون الدليل دليلا له.
(ولما كانت حقيقته تعطى الفردية الأولى بما هو مثلث النشأة، لذلك قال في باب المحبة التي هي أصل الوجود: (حبب إلى من دنياكم ثلاث) بما فيه من التثليث.) أي، لما كانت حقيقته حاصلة من التثليث المنبه عليه، قال: (حبب إلى من دنياكم ثلاث). وجعل المحبة التي هي أصل الوجود ظاهرا فيه (ثم ذكر النساء، والطيب، و (جعلت قرة عينه في الصلاة)) أي، قدم ذكر النساء والطيب، ثم قال آخرا: (قرة عيني في الصلاة).
(فابتدأ بذكر النساء وأخر الصلاة، وذلك لأن المرأة جزء من الرجل في أصل ظهور عينها.) فيحن إليها حنين الكل إليه جزئه.
ولما ذكر أنه، عليه السلام، أدل دليل على ربه، وقال: (والدليل دليل لنفسه) وأوقع على سبيل الاعتراض قوله: (ولما كانت حقيقته تعطى الفردية)، رجع إلى الكلام فقال: (ومعرفة الإنسان بنفسه مقدمة على معرفته بربه، فإن معرفته بربه نتيجة عن معرفته بنفسه. لذلك قال، عليه السلام: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) وهو ظاهر.
فلا يتوهم أنه من تتميم دليل تقديم النساء وتأخير الصلاة، إذ لا رابطة بينهما. ولو قال ومحبة الإنسان لنفسه مقدمة على محبته لغيره، لكان كذلك.
(فإن شئت قلت بمنع المعرفة في هذا الخبر والعجز عن الوصول، فإنه سائغ فيه. وإن شئت قلت بثبوت المعرفة.) أي، فإن شئت قلت إن حقيقة النفس لا يمكن معرفتها، للعجز عن الوصول إلى معرفة كنهها. فإنه صحيح، لأن حقيقة النفس عائدة إلى حقيقة الذات الإلهية، ولا إمكان أن يعرفها أحد سواها. وإن شئت قلت بأن معرفة النفس بحسب كمالاتها وصفاتها ممكنة، بل حاصلة للعارفين، فمن يعرفها من حيث كمالاتها، يعرف ربها من حيث الأسماء والصفات. فإنه أيضا صحيح.
(فالأول أن تعرف أن نفسك لا تعرفها، فلا تعرف ربك. والثاني أن تعرفها،
(١١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1151 1153 1154 1155 1156 1157 1158 1159 1160 1161 1162 ... » »»