شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٦٢
(فهو يشتاق لهذه الصفة الخاصة التي لا وجود لها إلا عند الموت) أي، فالحق يشتاق في صور مظاهره لحصول هذه الصفة، وهي الرؤية التي لا تحصل إلا عند الموت بارتفاع الحجاب وشهود الحق في تجلياته. وذلك الذي لا يحصل إلا بالموت.
(فيبل (12) بها) أي، بتلك الصفة. (شوقهم إليه.) أي، يسكن بماء الوصال وارتفاع الحجب نار شوقهم إليه (13) (كما قال تعالى في حديث (التردد) وهو

(12) - الإبلال، تازه كردن.
(13) - قول الشيخ الماتن: (ثم، وصف الحق نفسه بشدة الشوق...) أقول: لما ذكر الشيخ المحبة وكان الشوق من أنواعها أو أصنافها، استشعر بأنه تعالى وصف نفسه به، أراد أن يبين أنه تعالى كيف يشتاق مع أن الشوق مستلزم لفقدان المشتاق إليه، وهو، عز وجل، لكونه كل الأشياء في القدس والنزاهة، لا يعزب عن علمه الذي هو نفس ذاته مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، كيف يشتاق إلى غيره، والعالي لا يلتفت إلى السافل؟ فقوله: (إلى لقائه) تعريض للجواب من الثاني بأنه مشتاق إلى نفسه، والشوق إلى المشتاقين إليه يتبع ذلك الشوق، فالشوق إليهم ثانيا وبالعرض. قوله: (فقال) إلى قوله: (وهو لقاء خاص) بيان توصيف نفسه بشدة الشوق. قوله: (وهو لقاء خاص). رفع إيراد يتوهم في قوله:
(إلى لقائه) بأن يقال: لقائه تعالى حاصل له بظهور نفسه لنفسه في مقام قدس ذاته. ودفع ذلك بأن اللقاء لقاء خاص لا يكون حاصلا في قدس ذاته. قوله: (إنه قال في حديث الدجال) إلى قوله: (فلا بد) تعليل لقوله: (لقاء خاص). أي، ذلك اللقاء يترتب على موت المشتاقين إليه من الموحدين، والزاهدين والعابدين: للموحدين بالموت الإرادي، والزاهدين والعابدين بالموت الطبيعي، لقول النبي ذلك. قوله: (لا بد من الشوق لمن هذه صفته) تفريع لخصوصية اللقاء. أي، إذا كان اللقاء لقاءا خاصا مترتبا على الموت، غير حاصل له تعالى في قدس ذاته، ولا بد من الشوق إليه للذات الإلهية المشتاق إليه، لأنه غير مؤثر، ومن يعرف خير المؤثر، يشتاق إليه والذات الإلهية يعرفه. ولما كان معرفته أتم من معرفة المشتاقين إليه، كان شوقه أتم وأشد من شوقهم إليه. وفي هذا التفريع جواب عن الإشكال الأول بأن شوقه تعالى من صفاته الكونية: (فأشبه قوله (حتى نعلم) مع كونه عالما). وبذلك الجواب يندفع إشكال آخر. وهو أن اللقاء المترتب على الموت لقاء المشتاقين إليه، والكلام في لقائه لنفسه. وذلك لأن الشوق المذكور يدور مع شوق المشتاقين إليه، فيتوقف على موتهم، وليس عين شوقهم، لأن الأشد ليس عين الأشد منه.
تحقيقه: إن المطلق وإن كان في مرتبة المقيد عين المقيد إلا أن اعتبار الإطلاق غير اعتبار التقييد ووصف المطلق باعتبار التقييد غير وصف المقيد، وليس اتصافه تعالى بصفات الكون عين اتصاف الكائنات بصفاتها. وبذلك يظهر سر إسناد فعل الكمل إليه تعالى دون فعل غيرهم. وفي حرب الجمل إذ انهزمت أتباع عائشة وشيعة عثمان، أخذت عائشة كفا من حصى فحصبت به أصحاب على، عليه السلام، وصاحت بأعلى صوتها:
(شاهت الوجوه). فقال قائل لها: (وما رميت إذ رميت، ولكن الشيطان رمى) قد لأن الكمل فنوا في الحق وغلب عليهم أحكام الوجوب واستترت الجهة الخلقية في الأوصاف الإلهية واضمحلت قواهم في إطلاقه تعالى، وصار الحق سمعهم وبصرهم في التجليات الأسمائية، وفناء صفاتهم في صفاته في مقام قرب النوافل. وبعد اضمحلال ذواتهم في ذاته تعالى وفناء إنيتهم في حقيقته وتبدل وجودهم بالوجود الحقاني الإطلاقي، يستند فعلهم إلى الله وفعل الله إليهم. ولسان هذا المقام قوله، صلى الله عليه وعلى من يؤول أموره إليهم من عترته: (على عين الله ويد الله وأذن الله الواعية). وقولهم عليهم السلام:
(رضانا أهل البيت رضى الله). أو (رضى الله رضانا أهل البيت). ولما كان النبي، عليه السلام، صاحب مقام (أو أدنى)، قال الله تعالى: (ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى). أي أسند إلى نفسه ما أسند إلى عبده، ويظهر سر ما قيل: (العبودية جوهرة كنهها الربوبية، وما فقده في العبودية، يجده في الربوبية). والبالغ إلى هذا المقام يكون خاتما للنبوة المطلقة والولاية المطلقة. وهو، صلى الله عليه وآله، صاحب هذا المقام بالأصالة، والكمل من العترة بالوراثة. ثم، إنه في قدس ذاته واجد للمشتاقين إليه، كما مر بتعينهم واجد لهم أيضا، وليس يفقدهم، فكيف يشتاق إليهم؟ أشار إلى دفع ذلك واعترض قوله: وشوق الحق لهؤلاء المقربين مع كونه يراهم، فيجب أن يروه ويأبى المقام الدنيوي ذلك). أي، شوقه إليهم شوقه أن يروه، لا الشوق إلى التعينات، تعيناتهم الحاصلة له تعالى. فكأنه فسر شوقه إليهم بشوقه أن يروه، فيستقيم الكلام. ولما استدرك الشوق و فسره بما ذكر، عقبها بقوله: (فهو يشتاق لهذه الصفة الخاصة التي لا وجود لها إلا عند الموت، فيبهل بها). ف‍ (الفاء) في (فهو) للتعقيب، و (اللام) في (لهذه) بمعنى (إلى).
أي، فهو يشتاق إلى هذه الصفة. وهو الرؤية التي لا تحصل إلا عند الموت وارتفاع الحجاب وشهود الحق في تجلياته الذي لا يحصل إلا بالموت. ويتشفى ويسكن بها. أي، بتلك الصفة شوقهم إليه. أي، بماء الوصال وارتفاع الحجب يسكن نار شوقهم إليه. و من الخبايا في الزوايا في هذا المقام أن المطلق إذا صار مقيدا واتصف بصفة المقيد، كيف يتصف بصفة الإطلاق ويكون أتم معرفة من المقيد حتى يكون أشد شوقا منه. فاعلم، أن اتصاف المطلق بوصف المقيد لا يخرجه عن الاتصاف بوصف الإطلاق، لأن وصف المقيد عرضي ووصف الإطلاق ذاتي، والعرضي لا يزيل الذاتي. مثلا: الماهية الموجودة تتصف بوصف الوجوب، لا يخرجها هذا الاتصاف عن الاتصاف بوصف الإمكان، فإن الضرورة بشرط المحمول لا ينافي الإمكان بحسب الذات. واتصاف النفس بالأوصاف الجسمانية، كالقيام والقعود، لا يخرجها عن الاتصاف بالأوصاف الروحانية). (للأستاذ العارف بالله، أفضل عصره وفريد دهره، ميرزا محمد رضا قمشه‌اى، مد ظله وأدام الله بركاته). أقول: كالتجرد العقلاني والتجرد البرزخي وخلاقيته للصور العقلية بعد بلوع أشدها العقلي والاتحاد مع العقول الفعالة. والنفس لمكان مظهريته للأسماء التنزيهية والتشبيهية يصدق عليها ما هو صفة بارئها، لأنها، أي النفس، عال في دنوه، ودان في علوه. وهو إذا كان في جوهر ذاته وعينه الثابتة استعداد السير إلى الحق بالسفر المعنوي و بلغ إلى مقام الفناء في الله، ثم رزقه الله الصحو والتمكين بعد التلوين، يشرع في سفره الثاني وسيره في الأسماء لقبول التجليات الأسمائية ويدخل في زمرة المحبوبين والمشتاقين. قال خاتم الولاية المطلقة، أي آدم الأولياء، على بن أبي طالب: (إنا لله) إقرار لنا بالملك، و (إنا إليه راجعون) إقرار لأنفسنا بالفناء). إذا نفخ في الصور، صعق من في السماوات ومن في الأرض. صدق ولى الله في العالمين. (ج)
(١١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1157 1158 1159 1160 1161 1162 1164 1165 1166 1167 1168 ... » »»