شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٥٤
فحصل بالذات الأحدية والمرتبة الإلهية وعينه الثابتة الفردية الأولى (1) ولذلك قال، رضى الله عنه:
(إنما كانت حكمته فردية لأنه أكمل موجود في هذا النوع الإنساني، ولهذا بدئ به الأمر وختم: فكان نبيا وآدم بين الماء والطين. ثم، كان بنشأته العنصرية خاتم النبيين.) وإنما كان أكمل موجود في هذا النوع الإنساني، لأن الأنبياء، صلوات الله عليهم أجمعين، أكمل هذا النوع، وكل منهم مظهر لاسم كلي، و جميع الكليات داخل تحت الاسم الإلهي الذي هو مظهره، فهو أكمل أفراد هذا النوع.
ولكونه أكمل الأفراد، (2) بدئ به أمر الوجود بإيجاد روحه أولا، وختم به أمر الرسالة آخرا (3) بل هو الذي ظهر بالصورة الآدمية في المبدئية، وهو الذي يظهر بالصورة الخاتمية للنوع. ويفهم هذا السر من يفهم سر الختمية (4) فلنكتف

(1) - لأن لعينه الثابتة سمة سيادة بالنسبة الأعيان كلها، والأعيان كلها تكون من أبعاض قابليته. والفيض الأقدس بعد إظهار الأسماء والقوابل يتنزل ويظهر في صورة الفيض المقدس، وهو من أظلال الفيض الطالع من غيب الهوية. (ج) (2) - قوله: (ولكونه أكمل الأفراد). وذلك لأن أكمل هذا النوع من كان بروحانيته أشرف الأرواح القدسية، وبجسمانيته أشرف الأجسام الطبيعية، وأشرف الأرواح القدسية العقل الأول، وهو بدء الموجودات الإمكانية، وبه انفتح أبواب الرحمة. وإليه أشار بقوله: (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين). وأشرف الأجسام الطبيعية الجسم المركب الذي يكون مزاجه أعدل الأمزجة حتى تؤكد الوحدة الجمعية فيه، فإذا كان الروح أشرف الأرواح، يجب أن يكون الجسم أشرف الأجسام، فهو بحسب المزاج والروح أشرف الأجسام والأرواح، فهو أكمل أفراد النوع الإنساني، ويجب أن يختم به النبوة، وليست وراء عبادان وجوده قرية، فيجب أن يكون أكمل أفراد هذا النوع به بدء وبه ختم، وكان خاتم الأولياء والأنبياء. (من الأستاذ الأجل، ميرزا محمد رضا أصفهاني، مد ظله).
(3) - يعنى، به يظهر سر الأولية والآخرية وحقيقة قوله: (وهو الظاهر والباطن). (ج) (4) - وإن سألت الحق، أن حقيقة النبوة واحدة، وكذا الولاية واحدة بالوحدة الإطلاقية.
أكمل الأنبياء من جهة أكملية ولايته هو نبينا، صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الحق من جهة تعين الألوهية واحد، وله مظهر واحد، وهو الحقيقة المحمدية باعتبار عينه الثابتة و مظهريته لجميع الأسماء، أي الاسم الأعظم، لأنه معنى الاسم الأعظم، جامع لكمالات جميع الأنبياء، لأنه أول موجود تعين من جهة قبوله لمادة الوجود والحيات، وعينه مشتملة على أعيان جميع الأنبياء. وهو النبي المطلق، وغيره من شؤونه وأطواره الكلية. والنبي واحد بالوحدة الإطلاقية، وغيره من أغصانه وفروعه. وهو الأصل المتجلي في مرآة تعين كل نبي من جهة غيبه. وله ظهور باعتبار عروجه التحليلي وقبول خطاب الحق بقوله:
(أقبل). لتنزله وسريانه وسيره في المراتب إلى أن ظهر بصورة شخصية عينية في الشهادة. و بالحركة الانعطافية رجع إلى أصله ووصل إلى أعلى المقامات من دون توقف. وبعد سيره في الدرجات الكمالية إلى أن وصل إلى مقام (الروح)، ثم (السر)، ثم وصل إلى المرتبة الخفوية، ورجع إلى الخلق بالوجود الحقاني، ثم سافر من الخلق إلى الخلق بالحق بعد الفرق الثاني، وصار ختما مطلقا في النبوة والولاية. قوله: (ثم حكمة فردية في كلمة محمدية) أو (حكمة كلية) بعبارتين ترجعان إلى حقيقة واحدة، لأنه، عليه السلام، مقام جمع أحدية جمع جميع الحكم المطلقة الشاملة لحكمة كل نبي على نحو أتم وأكمل، لأنه منه نشأت كل حكمة في كلمة كل كامل. وأما اتصاف حكمته ب‍ (الفردية)، لأنه، عليه وعلى عترته السلام والتحية، متفرد بين الكل من جهة اتصافه بالتعين الأول المشتمل على جميع الكتب الإلهية. ولذا عبر عن حقيقته بأم الكتاب الأول الأكبر، ومنه نشأت جميع الكتب الإلهية، أي، أم الكتاب الثاني والحضرة العمائية. ولذا كان، عليه السلام، مفتاح مفاتيح الغيب والشهادة، وهو الكتاب المبين باعتبار أنه هو العقل الأول والقلم الأعلى الذي كتب الحق به القدر ما كان وما يكون وما هو كائن إلى الأبد. ومظهر الاسم الأعظم، ومنه الاسم (المدبر) و (المفصل) و (الخبير)، وبه تعين الاسم الأول، ومن جهة ختميته لجميع الولايات، وبظهوره بالصورة المهدوية المحمدية، ظهرت به أحكام اسم (الآخر). والشيخ (رض) صرح في الفتوحات أن عيسى والخضر، وكل ولى في هذه الأمة، مختوم بالختم المحمدي، أي المهدى، عليه السلام، الذي زاره الشيخ في مدينة فاس، ورزقه الله لقائه.
وله أيضا الاتصاف بالبرزخية الكلية الفاصلة بين غيب المغيب والحضرة الأحدية. وقد ذكرنا في (الفص الشيثي) ما به ينور المقام. (ج)
(١١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1147 1149 1150 1151 1153 1154 1155 1156 1157 1158 1159 ... » »»