شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٦١
عليها الهيئات المظلمة والأخلاق المغيمة المكتسبة، فلا ينظر الحق إليهم ولا يكلمهم يوم القيامة ولا يشتاق إليهم. كما قال: (من أحب لقاء الله، أحب الله لقائه، ومن كره لقاء الله، كره الله لقائه). (ومن كان في هذا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) (فشوق الحق لهؤلاء المقربين مع كونه يراهم، فيحب أن يروه) أي، شوق الحق المحب ثابت في نفس الأمر لهؤلاء المقربين، مع كون الحق يراهم بالشهود الأزلي، ويجب أن يروه في صور تجلياته ومظاهر أسمائه وصفاته.
ف‍ (الفاء) في قوله: (فيحب) عاطفة، والمعطوف عليه هو قوله:
(يراهم).
(ويأبى المقام) الدنيوي (ذلك.) لأن المقام الدنياوي مقام حجاب فمن لا يخرج عنه، إما بالموت الإرادي وإما بالموت الطبيعي، لا يرتفع عنه الحجاب، فلا يرى ربه.
(فأشبه قوله تعالى: (حتى نعلم) مع كونه عالما.) أي، فصار هذا القول شبيها بقوله تعالى: (حتى نعلم) لأنه كان يرى أعيان هؤلاء المقربين في الغيب قبل ظهورهم بالوجود العيني (10) وتلك الرؤية لا تتغير أبدا، ومع ذلك وصف نفسه بالشوق، هو يقتضى فقدان صورة المحبوب، فهذا الشوق له لا يكون بحسب مقام الجمع، بل بحسب مقام التفصيل. كما مر في قوله تعالى: (حتى نعلم) من أن العلم بالمعلومات حاصل له أزلا وأبدا، فقوله: (حتى نعلم) من مقام الاختبار وتجليات الاسم (الخبير). وهو في صور المظاهر لا غيره (11)

(10) - أي، يرى الله أعيانهم في الحضرة الواحدية، لأنها عبارة عن صورة معلومية الذات. بل يرى ما تقبل أعيانهم على حسب قابلياتهم في العين. وهو العالم بالخفيات ومن أسمائه (علام الغيوب). (ج) (11) - ويدل ما ذكره تعالى: (حتى نعلم) جواز حصول العلم الذي سمى ب‍ (العلم بالمستفاد).
ويجب علينا السكوت وتفويض الحق إليه تعالى. ويظهر من هذا سر (البداء) الخاص للإمامية. وأيضا يجب أن نعلم أن استناد الشوق إليه تعالى من تنزلات العشق، و في الشوق نوع فقدان للنيل إلى كمال مفقود. ومن يجوز هذا في مرتبة تنزلاته، لا يبالي عن إسناد الشوق وظهور العلم الحادث إلى الله في مرتبة التشبيه. ويمكن تصوير التشبيه في عين التنزيه على ما حققناه في تعليقة مبسوطة. وقد ذكرنا أن (البداء) الذي يدل عليه الأحاديث الصحيحة المأثورة عن العترة، عليهم السلام، الذين أمرنا النبي، صلى الله عليه وآله، بالرجوع إليهم بقوله: (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي). أي أهل بيته الذين شرك الله النبي معهم في الكريمة المباركة: (ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر). (ج)
(١١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1156 1157 1158 1159 1160 1161 1162 1164 1165 1166 1167 ... » »»