شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٦٠
هذه الحال صفته.
ف‍ (من) عبارة عن الحق سبحانه. أي، لا بد من أن يكون الحق مشتاقا إلى مالا يمكن أن يراه العبد إلا به وهو الموت.
وتحقيقه: أن الهوية الإلهية الظاهرة في صورة العبد هي التي تشتاق إلى الموت لتصل إلى مقام جمعه وتخلص عن مضائق الإمكان وعوارض الحدثان، وذلك لا يحصل إلا بالموت، لأن الملاقاة بين العبد وبين ربه موقوف على الموت، والحق سبحانه يريد هذا النوع من الملاقاة، فيشتاق إليه.
ويجوز أن يكون الاشتياق من جهة العبد. أي، لا بد لمن لا يرى ربه إلا عند الموت أن تشتاق إليه. لكن قوله آخرا (8): (فهو يشتاق لهذه الصفة الخاصة التي لا وجود لها إلا عند الموت) يؤيد ما ذكرنا أولا، لأن الضمير في قوله: (فهو يشتاق) للحق، إذا العبد يكره الموت، فلا يشتاق إليه ويكره تحققه (9). والله أعلم.
واعلم أن هذا الخطاب، أي قوله: (أحدكم) للمؤمنين الموحدين، لا للكافرين المحجوبين. لأن المراد بالموت إما الموت الإرادي، أو الطبيعي. والأول الحاصل للعارفين، موجب للقاء الحق بحسب تجلياته الأسمائية أو الصفاتية أو الذاتية، على قدر قوة استعدادهم وسيرهم في السلوك. والعابدون والزاهدون والصلحاء من عباد الله الذين لا قوة لاستعداداتهم على قطع المنازل والمقامات، فلا يحصل لهم اللقاء حتى يحصل لهم الموت الطبيعي وينكشف لهم النعيم، كما دل عليه حديث (التحول). وأما المحجوبون الذين طبع الله على قلوبهم وران

(8) - أي، بعد أسطر يقرب صفحة.
(9) - قوله، فيكره العبد الموت، لا يصدق على من تحقق بالعبودية، وما فقده فيها، وجده في الربوبية، كما قال سر الأنبياء، وآدم الأولياء، على، عليه السلام: (والله ابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه). وقد قامت قيامته قبل طلوع الشمس من مغرب الوجود، وكان، عليه السلام، يترنم بقوله: (لو كشف الغطاء، ما ازددت يقينا). (هر كه امروز معاينه رخ دوست نديد طفل راهيست كه أو منتظر فردا شد) (ج)
(١١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1155 1156 1157 1158 1159 1160 1161 1162 1164 1165 1166 ... » »»