شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ١١٥٩
إلى جزئه، وكل أصل يحن إلى فرعه، فحصل الارتباط بين الطرفين، فصار كل منهما محبا من وجه، ومحبوبا من آخر.
(ثم، وصف) الحق (نفسه بشدة الشوق إلى لقائه) أي، إلى لقاء من هو مشتاق إليه.
ولما كان المحب المشتاق عين المحبوب في الحقيقة، وإن كان غيره بالتعين، قال: (إلى لقائه) (7) (فقال للمشتاقين:) أي، خاطب لأجل المشتاقين ((يا داود، إني أشد شوقا إليهم). يعنى للمشتاقين إليه. وهو لقاء خاص.) أي، لقاء الحق لنفسه في صورة المحب المشتاق لقاء خاص غير لقائه لنفسه في صورة الإطلاق الكلى والغيب الأصلي بالشهود الأزلي. ولهذا اللقاء خصوصية لا تحصل بدون هذا المجلى المعين. كما مر في أول الكتاب. لذلك كان أشد شوقا إليهم، لأن ما لا يحصل إلا بالمرآة المحدثة لا يكون أزليا، فيشتاق إلى المرآة ليرى صورة نفسه ويبتهج بنفسه ابتهاجا كليا. وشوق كل مشتاق لا يكون إلا بحسب علمه وإدراكه للمعاني الظاهرة في محبوبه. والحق تعالى منبع العلم الذاتي والصفاتي، ومن حضرة علمه نصيب كل عالم من العلم، فعلمه بحقيقة المحبوب وكمالاته أتم، فشوقه ومحبته إياهم أعظم وأقوى من محبة كل مشتاق إليه.
قوله: (فإنه قال في حديث الدجال: (إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت).) تعليل لقوله: (وهو لقاء خاص.) فإن قوله، عليه السلام: (إن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت). يدل على أن الملاقاة بين العبد وبين ربه مترتبة على موت العبد، وما يكون مترتبا على الأمر الخاص يكون خاصا.
(فلا بد من الشوق لمن هذه صفته.) أي، إذا كان اللقاء الخاص موقوفا على الموت، فلا بد من أن يشتاق الحق لمن لا يرى ربه، حتى يموت فيراه. أي، إذا كان اللقاء الخاص موقوفا إلى الموت، فلا بد أن يكون الشوق حاصلا لمن يكون

(7) - أي، لقاء الحق.
(١١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1154 1155 1156 1157 1158 1159 1160 1161 1162 1164 1165 ... » »»