بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٦٩
الحاجة إلى العلة حدوثا وبقاء واحد، والحاجة ملازمة.
وقد استدلوا على استغناء الممكن عن العلة في حال البقاء بأمثلة عامية، كمثال البناء والبناء، حيث إن البناء يحتاج في وجوده إلى البناء، حتى إذا بناه استغنى عنه في بقائه.
ورد: بأن البناء ليس علة موجدة للبناء، بل حركات يده علل معدة لحدوث الاجتماع بين أجزاء البناء، واجتماع الأجزاء علة لحدوث شكل البناء، ثم اليبوسة علة لبقائه مدة يعتد بها (1).
خاتمة:
قد تبين من الأبحاث السابقة أن الوجوب والإمكان والامتناع كيفيات ثلاث لنسب القضايا (2)، وأن الوجوب والإمكان أمران وجوديان (3)، لمطابقة القضايا الموجهة بهما للخارج مطابقة تامة بما لها من الجهة، فهما موجودان لكن بوجود موضوعهما لا بوجود منحاز مستقل، فهما كسائر المعاني الفلسفية - من الوحدة والكثرة، والقدم والحدوث، والقوة والفعل، وغيرها - [التي] أوصاف وجودية موجودة للموجود المطلق، بمعنى كون الاتصاف بها في الخارج وعرضها في الذهن، وهي المسماة ب‍ " المعقولات الثانية " باصطلاح الفلسفة (4).

(١) كما في الأسفار ١: ٢٢١. والحاصل أنهم لم يفرقوا بين المعد والموجد، ولهذا وقعوا في ذلك.
(٢) خلافا لصاحب المواقف حيث ذهب إلى أن الوجوب والإمكان والامتناع في الأبحاث السابقة غير الوجوب والإمكان والامتناع التي هي جهات القضايا وموادها. فراجع شرح المواقف: ١٣١.
(3) خلافا للشيخ الإشراقي، فإنه قد وضع قاعدة لكونهما وأشباههما أوصافا عقلية لا صورة لها في الأعيان. راجع حكمة الإشراق. 71 - 72.
(4) اعلم أن للمعقول الثاني اصطلاحين:
الأول: اصطلاح المنطقي: وهو كون الاتصاف بالشئ وعرضه على المعروض في الذهن.
الثاني: اصطلاح الفلسفي: وهو كون الاتصاف بالشئ في الخارج وعرضه على المعروض في الذهن.
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 72 74 75 76 ... » »»