بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٦٦
وأما كونه لازما للماهية، فلأنا إذا تصورنا الماهية من حيث هي، مع قطع النظر عن كل ما سواها، لم نجد معها ضرورة وجود أو عدم، وليس الإمكان إلا سلب الضرورتين، فهي بذاتها ممكنة. وأصل الإمكان وإن كان هذين السلبين، لكن العقل يضع لازم هذين السلبين - وهو استواء النسبة - مكانهما، فيعود الإمكان معنى ثبوتيا وإن كان مجموع السلبين منفيا.
الفصل الثامن في حاجة الممكن إلى العلة، وما هي علة احتياجه إليها؟
حاجة الممكن إلى العلة (1) من الضروريات الأولية، التي مجرد تصور موضوعها ومحمولها كاف في التصديق بها (2)، فإن من تصور الماهية الممكنة المتساوية النسبة إلى الوجود والعدم وتصور توقف خروجها من حد الاستواء إلى أحد الجانبين على أمر آخر يخرجها منه إليه لم يلبث أن يصدق به.
وهل علة حاجة الممكن إلى العلة هي الإمكان، أو الحدوث (3)؟ الحق هو الأول، وبه قالت الحكماء.
واستدل عليه بأن الماهية باعتبار وجودها ضرورية الوجود، وباعتبار عدمها ضرورية العدم، وهاتان الضرورتان بشرط المحمول، وليس الحدوث إلا ترتب إحدى الضرورتين على الأخرى، فإنه كون وجود الشئ بعد عدمه، ومعلوم أن الضرورة مناط الغنى عن السبب وارتفاع الحاجة، فما لم تعتبر الماهية بإمكانها لم

(١) أي توقفه في تلبسه بالوجود أو العدم إلى أمر وراء ماهيته...
(٢) كما في المطالب العالية ١: ٨٣ - ٨٤، والأسفار ١: ٢٠٧، وشرح المواقف: ١٣٤، وشرح المنظومة: ٧٠.
(٣) اعلم أن في المسألة أقوال أربعة ذهب إلى كل منها طائفة. قال ابن ميثم البحراني في قواعد المرام في علم الكلام: ٤٨: " علة حاجة الممكن إلى المؤثر هي إمكانه، وعند أبي هاشم الحدوث، وعند أبي الحسين البصري هي المركب منهما، وعند الأشعري الإمكان بشرط الحدوث ". وقريب منه ما في إرشاد الطالبين: 79.
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 72 ... » »»