بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٦٤
يثبت بحسب الظن والغفلة عن أن كل حادث مستقبل إما واجب أو ممتنع لانتهائه إلى علل موجبة مفروغ عنها، ويسمى: " الإمكان الإستقبالي ".
وقد يستعمل الإمكان بمعنيين آخرين:
أحدهما: ما يسمى: " الإمكان الوقوعي "، وهو كون الشئ بحيث لا يلزم من فرض وقوعه محال، أي ليس ممتنعا بالذات أو بالغير، وهو سلب الامتناع عن الجانب الموافق، كما أن الإمكان العام سلب الضرورة عن الجانب المخالف.
وثانيهما: الإمكان الاستعدادي، وهو - كما ذكروه (1) - نفس الاستعداد ذاتا، وغيره إعتبارا، فإن تهيؤ الشئ لأن يصير شيئا آخر، له نسبة إلى الشئ المستعد، ونسبة إلى الشئ المستعد له، فبالاعتبار الأول يسمى: " استعدادا " فيقال مثلا:
" النطفة لها استعداد أن تصير إنسانا "، وبالاعتبار الثاني يسمى: " الإمكان الاستعدادي " فيقال: " الانسان يمكن أن يوجد في النطفة ".
والفرق بينه وبين الإمكان الذاتي أن الإمكان الذاتي - كما سيجئ (2) - اعتبار تحليلي عقلي يلحق الماهية المأخوذة من حيث هي، والإمكان الاستعدادي صفة وجودية تلحق الماهية الموجودة، فالإمكان الذاتي يلحق الماهية الانسانية المأخوذة من حيث هي، والإمكان الاستعدادي يلحق النطفة الواقعة في مجرى تكون الانسان.
ولذا كان الإمكان الاستعدادي قابلا للشدة والضعف، فإمكان تحقق الانسانية في العلقة أقوى منه في النطفة، بخلاف الإمكان الذاتي، فلا شدة ولا ضعف فيه.
ولذا أيضا، كان الإمكان الاستعدادي يقبل الزوال عن الممكن، فإن الاستعداد يزول بعد تحقق المستعد له بالفعل، بخلاف الإمكان الذاتي، فإنه لازم الماهية، هو معها حيثما تحققت.

(1) راجع المسألة الخامسة والعشرون من الفصل الأول من شوارق الإلهام.
(2) في الفصل الآتي.
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»