بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٦٢
تقتضي أولوية الوجود، كافية أو غير كافية، وبعبارة أخرى: الماهية من حيث هي ليست إلا هي، لا موجودة ولا معدومة ولا أي شئ آخر (1).
وأما الأولوية الغيرية، وهي التي تأتي من ناحية العلة، فلأنها لما لم تصل إلى حد الوجوب لا يخرج بها الممكن من حد الاستواء، ولا يتعين بها له الوجود أو العدم (2)، ولا ينقطع بها السؤال: إنه لم وقع هذا دون ذاك؟ وهو الدليل على أنه لم تتم بعد للعلة عليتها (3).
فتحصل: أن الترجيح إنما هو بايجاب العلة وجود المعلول، بحيث يتعين له الوجود ويستحيل عليه العدم، أو إيجابها عدمه، فالشئ - أعني الممكن - ما لم يجب لم يوجد.
خاتمة:
ما تقدم من الوجوب هو الذي يأتي الممكن من ناحية علته، وله وجوب آخر يلحقه بعد تحقق الوجود أو العدم، وهو المسمى ب‍ " الضرورة بشرط المحمول " (4)،

(1) وبعبارة أخرى: أن الأولوية الذاتية إنما يتصور إذا كان الوجود اعتباريا وغير أصيل، وأما إذا كان الوجود أصيلا والماهية اعتبارية فلا يتصور أولوية، إذ ليست الماهية مع قطع النظر عن الوجود شيئا حتى تكون كافية في الأولوية أو لم تكن كافية في الأولوية.
(2) وليس بين استواء الطرفين وتعين أحدهما واسطة - منه (رحمه الله) -.
(3) توضيح ذلك: أن الممكن ما دام ممكنا حيثيته حيثية عدم الاقتضاء إلى حد أحد الطرفين، والخارج إذا لم يرجح أحد طرفيه إلى حد الوجوب بل مع رجحانه ذلك الطرف يكون طرفه الآخر المرجوح ممكنا، فلم يكن معينا لوجوده ولا لعدمه، ويكون باقيا على امكانه مع أولوية ذلك الطرف من الخارج، فمع فرض ذلك المرجح الخارجي بقي علة الاحتياج إلى المرجح من الخارج بحالها، فيحتاج إلى ضم شئ آخر من الخارج إلى ذلك المرجح الخارجي، وإن لم يكن ذلك المرجح الخارجي مرجحا ولا علة.
(4) وقد ذهب الحكيم المؤسس آقا علي المدرس (رحمه الله) إلى أن الوجوب بشرط المحمول أخص من الوجوب اللاحق. وإليك نص كلامه في ما علق على شوارق الإلهام: " أقول: الوجوب السابق هو تعين المعلول بهويته الخاصة في مرتبة اقتضاء العلة المقتضية الجامعة لجميع جهات اقتضاء تلك الهوية الذي هو عين وجودها. والوجوب اللاحق هو تعين المعلول في مرتبة وجوده وهويته، بل وجوب اعتبر في مرتبة ذات الشئ هو وجوب لاحق له وإن كان سابقا بالنسبة إلى وجوب معلوله منه. ووجه تسميته باللاحق هو كونه لاحقا بالوجوب السابق في أكثر أفراده، وهي الوجوبات الحاصلة في مرتبة الوجودات الممكنات. والوجوب بشرط المحمول وجوب آخر أخص منه، ولا يحصل إلا باعتبار الاشتراط واعتبار المحمول مع الموضوع الخالي عنه بحسب ذاته... ".
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»