بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٦٠
وقد تبين بذلك: أن الوجوب بذاته وصف منتزع من حاق وجود الواجب (1) كاشف عن كون وجوده بحتا في غاية الشدة غير مشتمل على جهة عدمية، إذ لو اشتمل على شئ من الأعدام حرم الكمال الوجودي الذي في مقابله، فكانت ذاته مقيدة بعدمه، فلم يكن واجبا بالذات صرفا له كل كمال.
الفصل الرابع واجب الوجود بالذات واجب الوجود من جميع الجهات (2) إذ لو كان غير واجب بالنسبة إلى شئ من الكمالات التي تمكن له بالإمكان العام، كان ذا جهة إمكانية بالنسبة إليه، فكان خاليا في ذاته عنه متساوية نسبته إلى وجوده وعدمه، ومعناه تقيد ذاته بجهة عدمية، وقد عرفت في الفصل السابق استحالته (3).
الفصل الخامس في أن الشئ ما لم يجب لم يوجد (4) وبطلان القول بالأولوية (4) لا ريب أن الممكن - الذي يتساوي نسبته إلى الوجود والعدم عقلا - يتوقف

(١) بمعنى أن منشأ انتزاعه عين وجود الواجب، فالمنشأ منشأ بعينه ونفسه، بخلاف الماهيات الممكنة، فإن منشأ انتزاعها غيرها.
(٢) قال فخر الدين الرازي في شرح عيون الحكمة ٣: ١١٥: " معناه أنه ممتنع التغير في صفة من صفاته ".
وقال الميبدي في شرح الهداية الأثيرية: 72: " أي ليست له حالة منتظرة غير حاصلة ".
وقال صدر المتألهين: " المقصود من هذا أن الواجب الوجود ليس فيه جهة إمكانية، فإن كل ما يمكن له بالإمكان العام فهو واجب له ". ثم عد ما ذكره الميبدي من فروع الخاصة المذكورة. راجع الأسفار 1: 122.
(3) حيث قال: " إذ لو اشتمل على شئ من الأعدام... ".
(4) لا يخفى أنه لا وجه لتخصيص الوجود بالذكر، لأنه كما ليس ترجيح جانب الوجود بالعلة إلا بإيجاب الوجود، كذلك ليس ترجيح جانب العدم بالعلة إلا إذا كانت العلة بحيث تفيد امتناع معلولها. فالأصح أن يقال: " في أن الشئ ما لم يجب لم يوجد وما لم يمتنع لم يعدم ".
(5) قال صدر المتألهين في عنوان الفصل: " في إبطال كون الشئ أولى له الوجود أو العدم،
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»