بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٣٦
نبات وحيوان وإنسان ذو نفس نباتية وحيوانية وناطقة، ويظهر معه آثار هذه الأجناس والفصول وخواصها. والإنسان الموجود في الذهن المعلوم لنا انسان ذاتا واجد لحده، غير أنه لا يترتب عليه شئ من تلك الآثار الخارجية.
وذهب بعضهم إلى أن المعلوم لنا المسمى بالموجود الذهني شبح الماهية لا نفسها (1)، والمراد به عرض وكيف قائم بالنفس، يباين المعلوم الخارجي في ذاته، ويشابهه ويحكيه في بعض خصوصياته، كصورة الفرس المنقوشة على الجدار الحاكية للفرس الخارجي. وهذا في الحقيقة سفسطة (2) ينسد معها باب العلم بالخارج من أصله.
وذهب بعضهم إلى إنكار الوجود الذهني مطلقا، وأن علم النفس بشئ إضافة خاصة منها إليه (3).
ويرده: العلم بالمعدوم، إذ لا معنى محصلا للإضافة إلى المعدوم.
واحتج المشهور على ما ذهبوا إليه من الوجود الذهني بوجوه:
الأول: أنا نحكم على المعدومات بأحكام إيجابية، كقولنا: " بحر من زيبق كذا " وقولنا: " اجتماع النقيضين غير اجتماع الضدين " (4)، إلى غير ذلك،

(1) هذا قول جماعة من المتأخرين على ما في الأسفار 1: 314. وقال الحكيم السبزواري في شرح المنظومة: 31: " والقائل جماعة من الحكماء ".
ونسب إلى القدماء كما نسبه إليهم المحقق اللاهيجي، ثم أراد توجيه مذهبهم وارجاعه إلى مذهب المتأخرين، فقال: " فالحق أن ماهيات الأشياء في الذهن لما لم يظهر عنها آثارها ولم يصدر عنها أحكامها أطلق القدماء عليها لفظ الأشباح، لأن شبح الشئ لا يصدر عنه أثر ذلك الشئ، لا أنهم قائلون بحصول أشباح الأشياء في الذهن ". راجع شوارق الإلهام 1: 51 - 52.
(2) لمغايرة الصور الحاصلة عند الانسان لما في الخارج مغايرة مطلقة، فلا علم بشئ مطلقا وهو السفسطة. - منه (رحمه الله) -.
(3) هذا ما ذهب إليه فخر الدين الرازي في المباحث المشرقية 1: 321.
(4) فإن قيل: إن أدلة الوجود الذهني مصبها إثبات الوجود الذهني للماهيات، والممتنعات باطلة الذوات ليست لها ماهيات، وإنما يختلق العقل مفهوما لأمر باطل الذات، كشريك البارئ واجتماع النقيضين وغيرهما.
قلنا: إن لهذا الذي يختلقه العقل ثبوتا ما، لمكان الحمل، وإذ ليس في الخارج ففي موطن آخر، نسميه الذهن. - منه (رحمه الله) -.
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 33 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»