بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ٤١
وفيه: أن مجرد صدق مفهوم مقولة من المقولات على شئ لا يوجب اندراجه تحتها، كما ستجئ الإشارة إليه (1)، على أن كلامهم صريح في كون العلم الحصولي كيفا نفسانيا داخلا تحت مقولة الكيف حقيقة، من غير مسامحة.
ومنها: ما ذكره صدر المتألهين (رحمه الله) في كتبه (2)، وهو الفرق في إيجاب الإندراج بين الحمل الأولي وبين الحمل الشائع (3)، فالثاني يوجبه دون الأول.
بيان ذلك: أن مجرد أخذ مفهوم جنسي أو نوعي في حد شئ وصدقه عليه لا يوجب اندراج ذلك الشئ تحت ذلك الجنس أو النوع، بل يتوقف الإندراج تحته على ترتب آثار ذلك الجنس أو النوع الخارجية على ذلك الشئ.
فمجرد أخذ الجوهر والجسم - مثلا - في حد الانسان - حيث يقال: " الانسان جوهر جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق " - لا يوجب اندراجه تحت مقولة الجوهر أو جنس الجسم، حتى يكون موجودا لا في موضوع باعتبار كونه جوهرا، ويكون بحيث يصح أن يفرض فيه الأبعاد الثلاثة باعتبار كونه جسما، وهكذا.
وكذا مجرد أخذ الكم والاتصال في حد السطح - حيث يقال: " السطح كم متصل قار منقسم في جهتين " - لا يوجب اندراجه تحت الكم والمتصل مثلا، حتى يكون قابلا للانقسام بذاته من جهة أنه كم، ومشتملا على الفصل المشترك من جهة أنه متصل، وهكذا.
ولو كان مجرد صدق مفهوم على شئ موجبا للاندراج لكان كل مفهوم كلي فردا لنفسه، لصدقه بالحمل الأولي على نفسه، فالاندراج يتوقف على ترتب الآثار، ومعلوم أن ترتب الآثار إنما يكون في الوجود الخارجي دون الذهني.

(1) بعد أسطر.
(2) راجع الأسفار 1: 292 - 298.
(3) الحمل الأولي ما هو مفاده الاتحاد بين الموضوع والمحمول بحسب المفهوم والوجود، بمعنى أن الموضوع هو بعينه نفس ماهية المحمول ومفهومه بعد أن يلاحظ بينهما مغايرة ما.
والحمل الشائع ما هو مفاده مجرد الاتحاد بين الموضوع والمحمول بحسب الوجود. الأول كقولنا: " الانسان حيوان ناطق "، والثاني كقولنا: " الانسان ضاحك ".
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»