بداية الحكمة - السيد محمد حسين الطباطبائي - الصفحة ١٩٨
الفصل الثالث في أن الواجب تعالى هو المبدأ المفيض لكل وجود وكمال وجودي كل موجود غيره (تعالى) ممكن بالذات، لانحصار الوجوب بالذات فيه (تعالى)، وكل ممكن فإن له ماهية هي التي تستوي نسبتها إلى الوجود والعدم، وهي التي تحتاج في وجودها إلى علة بها يجب وجودها فتوجد (1)، والعلة إن كانت واجبة بالذات فهو، وإن كانت واجبة بالغير انتهى ذلك إلى الواجب بالذات (2)، فالواجب بالذات هو الذي يفيض عنه وجود كل ذي وجود من الماهيات.
ومن طريق آخر:
ما سواه (تعالى) - من الوجودات الإمكانية - فقراء في أنفسها، متعلقات في حدود ذواتها، فهي وجودات رابطه لا استقلال لها حدوثا ولا بقاء وإنما تتقوم بغيرها، وينتهي ذلك إلى وجود مستقل في نفسه غني في ذاته لا تعلق له بشئ تعلق الفقر والحاجة، وهو الواجب الوجود (تعالى وتقدس).
فتبين أن الواجب الوجود (تعالى) هو المفيض لوجود ما سواه. وكما أنه مفيض له (3) مفيض لآثاره (4) القائمة به (5) والنسب والروابط التي بينه (6)، فإن العلة الموجبة للشئ المقومة لوجوده علة موجبة لآثاره والنسب القائمة به ومقومة

(1) لما تقدم أن الشئ ما لم يجب لم يوجد.
(2) لأن علتها إن كانت واجبه بالغير فتحتاج أيضا في وجودها إلى علة أخرى، وهي إما نفس العلة السابقة التي كانت علة للماهية وصارت معلولة للعلة اللاحقة وهو الدور ومحال، وإما علة لاحقة غيرها، وهذه اللاحقة إن كانت واجبة بالذات فهو، وإن كانت واجبة بالغير فتحتاج إلى علة أخرى وهكذا، وهو التسلسل، والتسلسل باطل.
(3 و 4 و 5 و 6) الضمير في المطبوع مؤنث، ولعله راجع إلى " الوجودات الإمكانية ". والأولى أن يأتي مذكرا كما أدرجناه في المتن، لأن الظاهر رجوعه إلى " ما سواه "، وإن كان المراد من " ما سواه " الوجودات الإمكانية.
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»