عليه انه حجاب على الحق سبحانه وعنه، انه كاشف ومظهر، والحجاب (1) إذا لم يكن عين المحجوب لا واسطة بينه وبين المحجوب، ونقدر الامر (2) في الحجاب الأقرب إذا قيل بكثرة الحجب، أو فيما لا حجاب عليه غير واحد، فإنه متى عرف الحجاب نفسه، علم أن لا واسطة بينه وبين المحجوب، بل أبين لك الامر الحجاب وارفع حكمه بكشف سره.
فأقول: كلما يقال عنه انه حجاب على الحق لا يخلو اما ان يكون الحق سبحانه عينه، بمعنى انه تعالى حجاب على نفسه أو غيره (3)، وليس الا الممكنات، فالمسمى حجابا - اما بعض الممكنات أو كلها - لا جائز ان يكون بأسرها حجابا، فإنه (4) ما ثمة أمر، إذ ليس الا الله سبحانه والممكنات، ولا جائز ان يكون بعضها حجابا دون الباقي، لان هذا الحكم للبعض، اما ان يصح ويثبت لكونه ممكنا، فيلزم اذن اشتراك جميع الممكنات في ذلك، لاشتراكها كلها في حقيقة الامكان، فما اقتضاه شئ منها لامكانه ثبت للجميع، وإن كان انما يصح ذلك لبعض الممكنات لا لكونه ممكنا فحسب، بل مع انضمام قيد اخر خارج.
فنقول حينئذ: فذلك القيد الخارجي اما ان يكون نسبة سلبية أو أمرا ثبوتيا، لا جائز ان يكون نسبة سلبية، والا لكان ما لا وجود له يوجب اثرا وحكما فيما له وجود، بل وفي واجب الوجود، وذلك غير جائز، وإن كان أمرا ثبوتيا، فاما ان يكون الحق أو الممكنات - كما مر - لا جائز ان يكون الممكنات - لما قلنا - فلم يبق الا ان يكون الحق.
ثم نقول: ولا جائز أيضا ان يكون الحق تعالى حجابا على نفسه، فان كونه حجابا على نفسه اما ان يكون أمرا اقتضاه لذاته من حيث هو معرى عن النظر إلى الممكن، أو يكون ذلك حكما ظهر بالممكن، لا جائز ان يكون ذات الحق من حيث هي هي مقتضيه لذلك (5)، والا لكان (6) محجوبا عن نفسه، فكان مركبا من أمرين: أحدهما كونه حجابا والاخر كونه