أي أن لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين، لأنك تأتيهم مع سماحة أخلاقك وكرم سجيتك بالحجج والبراهين (1).
فلولا هذا الرفق الذي اعتمده الرسول مع من أرسل إليهم لما تمكن من استقطاب الناس حول رسالته، إذ إن الفضاضة والغلظة المناقضة للرفق واللين إذا ما اعتمدت خيارا منهجيا في التبليغ والدعوة إلى الحق فإن مردودها سيكون عكسيا، لا يثمر استقطاب الناس حول ذلك الحق وإن كان أبلجا. بل على العكس من ذلك، سيعمل على التنفير وانفضاض الناس من ساحة ذلك القطب الهادي والمنار الواضح. فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم.. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا.
وتعميقا لروح الرفق واللين التي يريدها الله جل شأنه في الدعوة إلى الحق، جاء التأكيد في نفس تلك الآية المباركة على ما يجسد حالة الرفق واللين العملي بين يدي المؤمنين، في جملة مكارم الأخلاق التي اهتم الاسلام بتحقيقها على النحو الأكمل وإشاعتها بين الناس، فهي تأمر بالعفو لمن يسيء والغفران لمن يخطئ، ليتجلى الرفق ويتمظهر اللين في حركة التغيير والاصلاح على منهجية المبلغ الرسالي (فاعف عنهم واستغفر لهم).