لأنه ترك أولئك الأنبياء السابقين (عليه السلام) منازعة أقوامهم لكان ذلك أيضا مخلا بعصمتهم، ودالا على صحة ما قام به أقوامهم وبطلانه واضح لا يشك فيه من له عقل أو شئ من الدين.
وأما ثانيا: كان في توقف علي (عليه السلام) عن حربهم وقتالهم منافع عظيمة وفوائد جليلة، قصرت مداركهم عن الوصول إليها، وأعيت أفهامهم عن الوقوف عليها.
فمنها: أنه لو قاتلهم لتولد الشك من النائين عن المدينة وغيرها من البلدان الإسلامية بنبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لعلمهم بأن القتل والقتال لا يقع إلا على طلب الملك والزعامة الدنيوية، لا على النبوة وصنوها الخلافة فيوجب ذلك وقوع الشك في صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا سيما وهم جديدو العهد بالإسلام خاصة إذا لاحظتم وجود من يتربص الدوائر بالإسلام من المنافقين ولأن إسلامهم كان حديثا ولم ينضج كل النضوج في ذهنيتهم وسذاجة شعورهم فخشي (عليه السلام) الردة وسبق لنبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أخبره بكل ما حدث معه وما جرى له هذا من جهة ومن جهة ثانية فقد سلم بحقه ما سلم الخط الإسلامي الصحيح.
ومن جهة ثالثة فهو أسمى وأعلى وأنبل وأكبر وأرفع من أن ينازع في إمرة أمور المسلمين كما قال هو (عليه السلام) لابن عباس حبر الأمة وهو يخصف نعله فقال له حبر الأمة أفي مثل هذا الوقت يا أمير المؤمنين فأجابه (عليه السلام) والله يا بن عباس إن إمرتكم علي أهون من عفطة عنز إلا أن أرفع كلمة حق وأدفع كلمة باطل كما تقول الآية الكريمة في سورة التوبة (لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الباطل هي السفلى) الآية لذا فهو راعى مصلحة الإسلام والمسلمين بما لا مثيل له ولا نظير ولم تعرف هذه السيرة لأحد من الصحابة لا من قبله ولا من بعده ولا غرو في ذلك ولا عجيب فهو من تلك الدوحة الهاشمية وشجرة النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنزيل وهو يحذو حذو رسول الله ويسير بسيرته وينهج نهجه ويقتفي أثره ويترسم خطاه قولا وعملا وسيرة سبحان الله ما أعلم هذا الرجل سبحان الله ما أشجعه وما أبلغه وما أفصحه وما أعدله إنه صنو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخوه وابن عمه وصهره ووارث علمه وخليفته من بعده.