الذي كان يدعوه كثيرا إلى أن يقدم نفسه قربانا في سبيل حفظه وبقائه واستمراره وانتشاره فضلا عن حقه وتراثه وبالجملة كانت رعايته (عليه السلام) لصيانة الدين وحفظ أكثر من رعايته لحقه، وكان ضياع حقه عنده أهون عليه من ذهاب الدين وزواله وما فعله (عليه السلام) هو الواجب عقلا وشرعا إذ أن مراعاة الأهم وهو الاحتفاظ بالأمة، وحياطته على الملة، وتقديمه على المهم، وهو احتفاظه بحقه " عند التعارض " من الواجب الضروري في الدين الإسلامي فجنوحه للسلم والموادعة كان هو الأظهر في الصواب.
ومنها: محافظته (صلى الله عليه وآله وسلم) على حياة أصحابه ولو رجل منهم من غير ضرورة تدعو إلى قتالهم لعلمه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه سيدخل مكة المكرمة مع أصحابه في العام القادم من غير سلاح وقتال.
ومنها: علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن أكثر هؤلاء سوف يسلمون بعد فتح مكة.
ومنها: علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أهل مكة سوف يخلونها له (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأصحابه ثلاثة أيام فيطوفون، ويسعون محلقين ومقصرين وأهلها على الجبال وهذا له (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأصحابه بأعلى مراتب العزة والعظمة ولأعدائه بأدنى ما يكون من الذل والهوان.
ومنها: علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) بدخول الكثيرين من وفود العرب في الإسلام حينما يبلغهم هذه العزة له ولأصحابه، والذلة والصغار لقريش الذين هم أعداءه الألداء.
ومنها: إنه لو قاتلهم في عام الحديبية لم يتيسر له فتحها بتلك السهولة بل لتنكر منه القوم، ولجعل دعاتهم العيون في الطريق خوفا من صولته (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم بغتة وهم لا يشعرون وهذا واضح في سورة الفتح كل الوضوح لذي كل لب.
ثالثا: إن ترك علي (عليه السلام) قتال القوم لا يوجب الرضا بتقدمهم عليه ولا يقتضي سقوط حقه في الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلا لزم أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتركه قتال المشركين عام الحديبية، ومحو اسمه من النبوة، معزولا عن النبوة، وراضيا بما ارتكبه المشركون، وكان يومئذ معه أربعمائة وألف رجل