هؤلاء القوم فنكلوا به وأهدموا داره) (1). فلو سأل معاوية أحد موالي الإمام علي وأهل البيت: هل توالي عليا "؟ فإذا أجاب المسؤول بالإيجاب وقال إنه يوالي عليا " فمعنى ذلك أنه قد أقر بذنبه والإقرار سيد البينات، وفي هذه الحالة يتوجب حتما " مقضيا " أن تهدم داره وأن يقتل! حسب شريعة معاوية! وفي هذه الحالة وأمثالها وسع الله على عباده بالتقية، فلا حرج على المسؤول لو أجاب معاوية أو أحد أوليائه بأنه لا يوالي عليا "، ولا حرج عليه لو أخفى ولاءه للإمام علي دفعا " للقتل وهدم البيت، كذلك لو أن معاوية أو أحد أوليائه، سأل أحدا " من محبي علي وأهل بيت النبوة: هل تحب عليا "؟ وهل تحب أهل البيت؟ فإذا أجاب بالإيجاب يشطب اسمه من ديوان العطاء، ويتم إسقاط معاشه ورزقه، وبالتالي يجرد من الحقوق المدينة فلا تقبل له شهادة! وفي هذه الحالة وأمثالها أباح الله تعالى له أن يجيب بالنفي على سبيل التقية، فيقول: (أني لا أحب عليا "، ولا أحب أهل بيت النبوة) وله أن يخفي هذا الحب دفعا " لضرر مؤكد.
فكتمان الموالاة والمحبة ليس حراما " بل هو واجب ديني، فالإعلان عن الموالاة يؤدي للموت! فجاءت التقية لتدفع الموت، والجهر بالمحبة يؤدي إلى شطب الاسم وإسقاط الرزق فجاءت التقية لتدفع هذا الضرر البالغ. فالتقية منهج إلهي يجد فيه الإنسان حاجته، فإن الإعلان عن الموالاة والجهر بالمحبة في مثل هذه الظروف لا يسقطان دولة الظلمة، ولا يزيلان ملك معاوية، ولا يضعان حدا " للإرهاب والبطش، بمعنى أن الإعلان والجهر غير منتجين، ولا يحلان مشكلة الأمة بل يخدمان معاوية وأولياءه، ولهذا كانت التقية نهجا " يسلك إلى النجاة.
فغاية معاوية تتمثل في أن يعرف المؤمنين جميعهم ليتمكن من قتلهم وإبادتهم من الوجود إبادة تامة حتى يصفى الملك له ولبني أمية، فلا ينازعه فيه أحد من الناس. وقد أدرك هذه الحقيقة الإمام الحسن وعبر عنها بقوله: (إني خشيت أن يجتث المسلمون من الأرض، فأردت أن يكون للدين داعية) (2).