عقله وأن (أمير المؤمنين) يطرب لشاعر فيقبل ذكره. ولماذا نستغرق في هؤلاء الذين حكم المسلمون بأنهم لا يمثلون إلا الملك العضوض ولا يمثلون الخلافة وذلك للحديث الذي يروونه وهو قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
" الخلافة من بعدي ثلاثون عاما ثم تكون ملكا عضوضا ".
وليس هذا موضوع بحثنا فمن أراد الاطلاع على ذلك فعليه مراجعة تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير وأبي الفداء وابن قتيبة وغيرهم.
وإنما أردت بيان مساوي الاختيار وعقم النظرية من أساسها لأن من نختاره اليوم قد ننقم عليه غدا ويتبين لنا بأننا أخطأنا ولم نحسن الاختيار - كما وقع ذلك لعبد الرحمن بن عوف نفسه عندما اختار للخلافة عثمان بن عفان وندم بعد ذلك، ولكن ندمه لم يفد الأمة شيئا بعد توريطها، وإذا كان صحابي جليل من الرعيل الأول وهو عثمان لا يفي بالعهد الذي أعطاه لعبد الرحمن بن عوف، وإذا كان صحابي جليل من الرعيل الأول وهو عبد الرحمن بن عوف لا يحسن الاختيار، فلا يمكن لعاقل بعد ذلك أن يرتاح لهذه النظرية العقيمة، والتي ما تولد عنها إلا الاضطراب وعدم الاستقرار وإراقة الدماء، فإذا كانت بيعة أبي بكر فلتة كما وصفها عمر بن الخطاب وقد وقى الله المسلمين شرها، وقد خالف وتخلف عنها جمع غفير من الصحابة، وإذا كانت بيعة علي بن أبي طالب بعد ذلك على رؤوس الملأ ولكن بعض الصحابة نكث البيعة، وانجر عن ذلك حرب الجمل، وحرب صفين، وحرب النهروان، وزهقت فيها أرواح بريئة، فكيف يرتاح العقلاء بعد ذلك لهذه القاعدة التي جربت وفشلت فشلا ذريعا من بدايتها وكانت وبالا على المسلمين. وبالخصوص إذا عرفنا أن هؤلاء الذين يقولون بالشورى يختارون الخليفة ولا يقدرون بعد ذلك على تبديله أو عزله، وقد حاول المسلمين جهدهم عزل عثمان فأبى قائلا: لا أنزع قميصا قمصنيه الله.
ومما يزيدنا نفورا من هذه النظرية، ما نراه اليوم في دول الغرب المتحضرة والتي تزعم الديمقراطية في اختيار رئيس الدولة، وترى الأحزاب المتعددة تتصارع وتتساوم وتتسابق للوصول إلى منصة الحكم بأي ثمن، وتصرف من أجل ذلك