عليه طريق الالتفات قائلا له: " يا أبا عبد الرحمن، أما علمت أن من هوان الدنيا على الله أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل، أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئا، فلم يعجل الله عليهم بل أمهلهم وأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام، اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدع نصرتي " (1) كان أبو عبد الله عارفا بالرجل وبتوجهاته النفيسة التي حاول دائما أن يعطيها ثوب القداسة، وكان بنو أمية لا يقلون معرفة بالرجل وكانوا لا يخشونه، فقد بعث إليه الوليد قائلا: " بايع ليزيد. فقال: إذا بايع الناس بايعت. فقال رجل: ما يمنعك أن تبايع؟ إنما تريد أن يختلف الناس فيقتتلوا ويتفانوا فإذا جهدهم ذلك، قالوا: عليكم بعبد الله بن عمر لم يبق غيره بايعوه. قال عبد الله: ما أحب أن يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا، ولكن إذا بايع الناس ولم يبق غيري بايعت. قال: فتركوه وكانوا لا يتخوفونه " (2) لماذا كان بنو أمية لا يتخوفونه؟ ولماذا لم يبايع منذ اللحظة الأولى؟، كانوا لا يتخوفونه لأن الرجل كان وارثا لاسم ولم يكن وارثا لفاعلية، كانوا لا يتخوفونه لأنه كان كما وصفوه يريد أن يقتتل الناس ويتفانوا، فإذا جهدهم ذلك: قالوا عليكم بعبد الله بن عمر، تماما كما
(٨٧)