قائلا " لئن أقتل خارج مكة بشير أحب إلي من أن أقتل داخلها بشير، وإن أقتل خارجها بشيرين أحب إلي من أن أقتل خارجها بشير "، ولكنه لم يتورع عن تعريض الكعبة للدمار وجعلها مسرحا لسفك الدماء وصولا إلى ما أراد من هدف وهو السلطنة، ولما تحقق له بعض ما أراد، فعل الأعاجيب، فهم يحكون عنه صلاة وصياما وقياما ويحكمون عنه أيضا أنه قطع ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة الجمعة أسابيع كثيرة، فاستعظم الناس ذلك فقال: " إني لا أرغب عن ذكره، ولكن له أهيل سوء إذا ذكرته أقعلوا أعناقهم فأنا أحب أن أكبتهم " (1).
فلما عاتبه بعض خاصة في هذا قال: " والله ما تركت ذلك علانية إلا وأنا أقوله سرا وأكثر منه، لكني رأيت بني هاشم إذا سمعوا ذكره اشرأبوا واحمرت ألوانهم وطالت رقابهم، والله ما كنت لآتي لهم سرورا وأنا أقدر عليه، والله لقد هممت أن أحظر لهم حظيرة ثم أضرمها عليهم نارا فإني لا أقتل منهم إلا آثما كفارا سحارا، والله لا أنماهم الله ولا بارك عليهم بيت سوء لا أول لهم ولا آخر، والله ما ترك نبي الله فيهم خيرا، استفرغ نبي الله صدقهم فهم أكذب الناس " (2).
ولسنا هنا بصدد استقصاء سيرة ابن الزبير ولا ردود ابن عباس عليه فيكفيه أنه نفى ابن عباس إلى الطائف، فكان يجلس لحديث أهل الطائف مترحما على السابقين، ويقول واصفا ابن الزبير: " ذهبوا فلم يدعوا أمثالهم ولا أشباههم، ولا من يدانيهم. ولكن بقي أقوام (1) المصدر نفسه 4 / 489.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 / 489.