وهكذا وقعت الكارثة والفتنة، حيث امتنعت الرؤية الصائبة على أكثر المسلمين وصار الناس في حيرة، وصدق الله عز وجل: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) (البقرة / 17)، وأي ظلمة أشد من العجز عن إدراك الطريق، صراط المستقيم ونهج الرسول وأئمة الحق.
أسباب قبول التحكيم لا بد لنا من تأمل هذه المرحلة المفصلية في تاريخ الأمة، فنسأل: لماذا قبل الإمام علي (عليه السلام)، التحكيم في نهاية المطاف؟، ولماذا لم يصر على مواصلة القتال حتى القضاء على رأس الأفعى الأموية؟ فإذا قيل: إن الناس خذلوه، قالوا: أليس هؤلاء هم الشيعة الذين خذلوا الحسين (عليه السلام) بعد ذلك؟! لا سبيل إمامنا سوى مواصلة قراءة النص التاريخي حتى تتضح الحقيقة لكل ذي عينين.
ينقل لنا ابن أبي الحديد، عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم، قال: " إنه لما كان يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول، سنة سبع وثلاثين، زحف أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بجيشه، وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين: يا أبا الحسن أبرز إلي، فخرج إليه علي عليه السلام فقال: إن لك يا علي لقدما في السلام والهجرة، فهل لك في أمر أعرضه عليك، يكون فيه حقن هذه الدماء؟ قال: وما هو؟، قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام، فقال علي (عليه السلام): قد عرفت ما