المؤمنين (عليه السلام) قد أقبل ورضي فقد رضيت، فأقبل الناس يقولون: قد رضي أمير المؤمنين، قد أقبل أمير المؤمنين، وهو ساكت لا ينطق بكلمة، مطرق إلى الأرض. ثم قام فسكت الناس كلهم، فقال: إن أمري لم يزل معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وأخذت من عدوكم ولم تترك، وإنها فيكم أنكى وأنهك إلا أني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت منهيا، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون، ثم قعد " (1).
هل بعد هذا يقال: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان راضيا؟ وهل كان بإمكانه سلام الله عليه إجبارهم على النهوض لقتال الظالمين؟ ولو كان إجبار الناس على الاستجابة للأمر الإلهي من مهام الرسل والأنبياء والأئمة، فلماذا عاتب القرآن القاعدين عن الجهاد بقوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) (التوبة / 38) ولما فر من فر من المسلمين من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) (التوبة / 25) ولما فروا يوم أحد (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) (آل عمران / 155).
وإن لم نكن في صدد تحقيق تاريخ بعض رؤساء العشائر الذين