عرضت، إن هذه لنصيحة وشفقة، ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد. إن الله، تعالى ذكره، لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض، وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة في الأغلال في جهنم، قال: فرجع الرجل وهو يسترجع " (1).
إمام الأمة يتلقى عرضا من مندوب بني أمية بتقسيم الأمة إلى قسمين (عراق وشام) هكذا ببساطة شديدة، فيكون يومها إسلام عراقي وإسلام شامي، واليوم إسلام أمريكي، فهل كان بإمكانه القبول بهذا العرض المرادف للكفر؟.
التهب القتال، ودارت آلة الحرب في ما عرف بليلة الهرير، وتشاور ابن آكلة الأكباد وابن النابغة حول الورقة الأخيرة للخروج من الهزيمة المروعة، فلم يجد الشيطان أجدى ولا انجح من الاستهزاء بكتاب الله وادعاء التحاكم إليه، كما صرح هو بذلك.
ولما أصبح الصبح، نظر عسكر العراق إلى عسكر الشام ليجدوا المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح. " قال أبو جعفر أبو الطفيل:
استقبلوا عليا بمئة مصحف، ووضعوا في كل مجبنة مائتي مصحف فكان جميعها خمسمئة مصحف " (2). كان هذا هو الحال على