والتميز الهاشمي.
الذين قتلوا من بطون قريش تركوا جراحا نازفة في قلوب ذويهم، سواء من بقي على الشرك منهم ومن أصبح من أتباع محمد صلى الله عليه وآله، فهذا حذيفة بن عتبة بن ربيعة، كان من أصحاب محمد، وأبوه وأخوه كانوا من أركان البطون، وقد شاهدهم بأم عينيه يتجرعون كؤوس الموت أمامه، فبقي موتهم غصة في نفسه - رغم إسلامه - وقد عبر بصورة عفوية وبتصرف لا شعوري عن أحاسيسه الدفينة حينما سمع النبي يطلب من أصحابه أن لا يتعرضوا لأحد من بني هاشم لأنهم أكرهوا على الخروج، فقال بنحو لا إرادي: " أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا، ونترك العباس عم النبي!؟ والله لئن لقيته لألجمنه السيف " (14).
ومثل حذيفة حذيفات، فهل يعقل أن يقتل خال عمر بن الخطاب، وأولاد عمومة أبي بكر، وعمومة عثمان، ولا يترك قتلهم غصات في قلوب ذويهم؟
غاية الأمر أن حذيفة صادق وعفوي فلم يخف مشاعره، بينما غيره يتمتع بقدر من الدهاء وضبط الأعصاب، فيخفي مشاعره رغبة أو رهبة، ولكنها لن تختفي إلى الأبد، ومن الممكن بكل المعايير الإنسانية أن تتهيج هذه المشاعر كلما شاهدوا عليا أو الحمزة أو النبي أو أحدا من بني هاشم.
لقد ظل الحقد يعتمل في قلوب ذوي المقتولين، ولم تهدأ جراحهم بموت النبي ولا بقتل حمزة ولا بموت علي، وإنما بقيت نازفة يورثها الآباء للأبناء، فعندما جئ برأس الحسين ورؤوس الطيبين من أهل بيت محمد بعد مذبحة كربلاء ووضعت بين يدي يزيد بن معاوية، تمثل بقول ابن الزبعرى:
قد قتلنا القرم من ساداتهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل لست من خندف إن لم أنتقم * من بني أحمد ما كان فعل (15)