ثالثا - أصحاب المصالح الذين كرهوا قيادة النبي وكرهوا دينه، ولكنهم حرصا على مصالحهم، وحتى لا يسبحوا بمواجهة التيار العام، تظاهروا بقبولهم لقيادة محمد (ص) للمجتمع الجديد، وهم اليهود.
وبهذا يتضح أن سكان يثرب ونواحيها رضوا بمحض اختيارهم العلني أن يكونوا شعبا للسلطة الجديدة، وقبلوا أو تظاهروا بالقبول بكافة ترتيبات هذه السلطة بدون ضغط ولا إكراه، وهذا عين ما تمنته كل دولة متحضرة طوال التاريخ.
الركن الثالث - السلطة التشريعية أو المنظومة الحقوقية.
المسلمون الصادقون من المهاجرين والأنصار كانوا يؤمنون بأن الحل لما ينجم بينهم، أو بينهم وبين غيرهم، يكمن في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وآله، فهما القانون النافذ الذي ينظم العلاقة بين أفراد الأمة، وبين الأمة والسلطة، وبين الكيان السياسي للأمة وغيره من الكيانات.
والمنافقون كانوا يتظاهرون بقبول ذلك أيضا، وأصحاب المصالح من اليهود كانوا يعلنون أنه لا مانع لديهم من ذلك، وأنهم يقبلون بكل الترتيبات التي يضعها محمد صلى الله عليه وآله.
أي أن كل أفراد الشعب قبلوا أو تظاهروا بقبول القانون النافذ المتمثل بالقرآن الكريم وبسنة النبي وتوجيهاته، وهذا أقصى ما تطمع الدول بتحقيقه.
الركن الرابع - الوطن أو الإقليم، وهو المدينة المنورة من حيث المبدأ، لكنه غير محدد بها، لأن الأرض كلها لله، ومحمد هو رسوله المكلف بتبليغ رسالة ربه إلى بني البشر كافة، فكلما أسلم قوم أصبحوا آليا من رعايا دولته، وأصبحت أرضهم جزءا لا يتجزأ من أراضي الدولة الإسلامية، ومن هنا فإن الدولة الإسلامية معدة لتكون دولة عالمية، تفرض سلطتها على العالم كله، وتنتظم جماعات الجنس البشري كلها، لتكون شعبا لهذه الدولة.