خلاصة المواجهة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ٤٦
5 - أحدثت هزيمة المسلمين هزة في التركيبة الهشة لمجتمع المدينة وما حولها، وأشاع اليهود أن محمدا طالب ملك، وأنه لم يصب نبي قط في بدنه بهذا النحو، وتنمر المنافقون وأخذوا يثبطون عزائم الناس ويبثون الأراجيف.
أدرك النبي صلى الله عليه وآله أن ترك الأمور على ما هي عليه دون اتخاذ إجراء عاجل سيضاعف هزة المجتمع اليثربي، ويكون ضربة معنوية يصعب التنبؤ بآثارها.
فأصدر أوامره بالاستعداد للخروج لملاقاة بطون قريش غدا، وبعد صلاة الصبح نادى مناديه: (إن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس)، وخرج المسلمون حتى وصلوا إلى حمراء الأسد فعسكروا هناك، وكان معسكر قريش بالروحاء، وهول معبد الخزاعي الآمر لبطون قريش، فأخبرهم أن محمدا وأصحابه يتحرقون على قريش بمثل النيران، (وقد اجتمع حوله الأوس والخزرج وتعاهدوا أن لا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم).
ذهل أبو سفيان وأركان حربه من سرعة إعادة النبي لتنظيم صفوف أصحابه ومن رده العاجل، وأدركوا أنهم إذا اصطدموا معه في هذه الحال فسوف يهزمهم حتما، ومر بأبي سفيان نفر متوجهين إلى المدينة. فوعدهم بمكافأة إذا أخبروا محمدا بأن بطون قريش قد أجمعت على الرجوع إليه، وكان يريد بذلك أن يضمن توقف النبي عن ملاحقته، ثم أصدر أوامره بالعودة إلى مكة فورا (26).
لقد كانت حركة النبي حركة بارعة، أعادت الروح المعنوية للمسلمين، وخطفت بريق انتصار قريش، فرجعت وكأنها مهزومة، وأبلغت رسالة لليهود والمنافقين والقبائل المحيطة بالمدينة التي كانت تنتظر من يقع حتى تنقض عليه وتأكله، ومن هنا أعلن تعالى رضاه عن " الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح " (27).
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»