2 - ولعله من المستحسن أن نقارن بين موقف عمر هذا من النبي، وبين موقفه من أبي بكر عندما أراد أن يكتب توجيهاته النهائية وهو مريض، فقد كان عمر جالسا مع الصفوة التي اختارها أبو بكر لتشهد كتابة وصيته وتوجيهاته، ومعه شديد مولى أبي بكر حاملا للصحيفة، فكان عمر يقول: أيها الناس، اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله، إنه يقول: إني لم الكم نصحا (25).
لم يقل عمر أن أبا بكر يهجر، ولم يختلف الحضور، ولم يكثر اللغط، ولم تتدخل النساء، إن هذا يدعو للعجب، فهل لأبي بكر قيمة وقداسة عند عمر وحزبه أكثر من قيمة الرسول وقداسته؟!
وعندما طعن عمر واشتد به الوجع، وقال: لو أن لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هو المطلع، وقال لابنه: ضع خدي على الأرض لا أم لك (26)، لم يمنعه ذلك من كتابة توجيهاته النهائية، فعهد بالخلافة لستة نظريا، ولعثمان بن عفان عمليا، ولم يعترضه أحد، ولم يتهم بأنه يهجر، ولم يقل أحد: حسبنا كتاب الله، وإنما عومل بكامل التوقير والاحترام، ونفذت تعليماته النهائية حرفيا، وكأنها كتاب منزل من عند الله.
لم يصدف طوال التاريخ أن عومل ولي الأمر سواء أكان خليفة أو ملكا وهو مريض بالقسوة والجلافة التي عومل بها رسول الله، ولم يصدف أن اعترض المسلمون خليفة إذا أراد أن يستخلف من بعده، بل على العكس، فقد قال ابن خلدون: " إن الخليفة ينظر للناس حال حياته، وبتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته، ويقيم لهم من يتولى أمورهم بعده " (26)، فهل للخليفة وقار عند المسلمين أكثر من رسول الله؟ وهل له مكانة أعظم من مكانة الرسول؟ إن هذا لأمر عجاب! إنهم قالوها بمنتهى الصراحة:
إن الخليفة أعظم من الرسول (27)!