وكان بشير بن سعد الخزرجي رجلا مغمورا، ويبدو أن الانقلابيين قد أقنعوه بشكل أو آخر بالانضمام إليهم، وكان بشير هذا يكره الإمام عليا، وأورث هذا الكره لابنه النعمان - فقد كان ثاني اثنين من الأنصار يقفان فيما بعد في صف معاوية ضد علي (32) - فلما رأى حالة الاختلاف، وأن مفاتيح الأمور مع سعد بن عباده ورجاله، حسد سعدا، ورأى أن الفرصة سانحة ليتحول من رجل مغمور إلى بطل، فوقف قائلا: " إن محمدا من قريش وقومه أحق به وأولى، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ".
وعندئذ قال أبو بكر، هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا، فقال الاثنان: والله لا نتولى هذا الأمر عليك، وفي هذه الأثناء قفز بشير بن سعد وبايع أبا بكر، فكان أو من بايع، وأعقبه أسيد بن حضير، وعويم بن سادة، وأبو عبيدة، وكل المتواجدين من الأنصار، وذهل الفريق الآخر، وتصوروا أن بيعة هؤلاء كانت عفوية، ولم يعلموا أن الأمر قد دبر مسبقا بإحكام بالغ.
3 - كان الانقلابيون قد استقدموا أعدادا كبيرة من المرتزقة من الأعراب، واتفقوا معهم على أن يتواجدوا في وقت محدد قرب بيت سعد بن عبادة، فجاءت قبيلة أسلم في الوقت الذي حضر فيه بعض الانقلابيين لمبايعة أبي بكر، تقول المصادر: " إن أسلم قبيلة كبيرة أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك، فبايعوا أبا بكر " (33).
وعلق عمر على هذه الواقعة فيما بعد قائلا: " ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر "، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف علم عمر أن القبيلة القادمة من خارج المدينة ستبايع أبا بكر؟ إنه لا يعلم الغيب قطعا، فمن المؤكد أنه