كان قد نسق معهم واستقدمهم لهذه الغاية، فمثل عمر المخطط البارع لا يبني انقلابه على الصدف.
وقول عمر: (فأيقنت بالنصر)، يكشف عن أنه بالرغم من بيعة الانقلابيين لأبي بكر في السقيفة، لم يكن عمر يتصور أن هذه البيعة ستحقق أهدافها بالانتصار على آل محمد، وسلب حقهم الثابت بالقيادة بعد النبي، وإنما تيقن ذلك عندما رأى جموع القبائل والمرتزقة يتجهون نحو السقيفة لمبايعة الخليفة الجديد.
تحرك موكب أبي بكر يحيط به جمع من الانقلابيين والأنصار وهم يزفونه إلى المسجد حيث يسجى الجثمان المقدس لرسول الله وهو محاط بالآل الكرام، " وكان عمر محتجرا يهرول بين يدي أبي بكر ويقول: ألا إن الناس قد بايعوا أبا بكر " (34).
وكانت الخطة تقتضي أن يمكث قسم كبير من الانقلابيين في المسجد، يراقبون تحركات آل محمد، وينتظرون اللحظة التي يصل فيها الخليفة الجديد، لكي يبايعوه بعفوية، وكأنهم لا علم لهم بوجود الانقلاب، ولا يتحركون ضمن مخطط مرسوم، فما أن وصل الموكب إلى المسجد حتى على التكبير، وأخذوا يتقدمون لمبايعة أبي بكر حسب الخطة (35).
وجاء البراء بن عازب فضرب الباب على الهاشميين وقال: يا معشر بني هاشم، بويع أبو بكر، فقال بعض الهاشميين لبعض: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه، ونحن أولى بمحمد.
ودخلت الجموع إلى المسجد يتقدمها الخليفة الجديد، فقال عمر لأبي بكر:
اصعد منبر رسول الله، فتردد أبو بكر، فلم يزل به عمر حتى صعد، فبايعه الحاضرون من جديد.