لقد أفشل عمر بن الخطاب ذلك التدبير، وسكت الرسول (ص) بعد أن تبين له عدم جدوى كتابة العهد الأخير.
ولنبقى الآن في إطار حديثنا عن السياق الذي تحرك فيه تيار الاغتصاب، وكيف أن النفاق كان على ضربين، أحدهما مثله تيار الاغتصاب والآخر مثله التيار الأموي.
وعندما انتقلت روحه الشريفة، وعلي (ع) منهمك في تغسيله.. لم يكن آنئذ أبو بكر في المقام.
لقد ذهب إلى السنح، في حين قام عمر بن الخطاب على عادته ببلبلة الناس.
وأظهر نوعا من الجنون ليدخل الناس في موضوع جانبي، ويثير الغوغاء حتى لا يعطي للناس فرصة في الالتفات إلى من يخلف رسول الله.. ولكم قيل له إن الرسول (ص) قد مات، ولكم قرأت عليه الآية التي قرأها عليه أبو بكر، فما زاده ذلك إلا إصرارا على تظاهره بالجنون وعدم الوعي حتى إذا جاء أبو بكر وذكره بما سبق أن ذكره به الآخرون، استكان بشكل يثير الشك في أمرهما.
أخذ عمر يهدد بالقتل كل من قال إن محمدا قد مات. ويقول: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي. وأن رسول الله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع بعد أن قيل مات، والله ليرجعن رسول الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجل من يزعمون أن رسول الله مات.
وعندها قرأ عليه عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم في المسجد:
" وما محمد إلا رسول قد خلت من تبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم. ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين " (34).
ولم يكن ذلك ليرد بن الخطاب عن تشويشه للمسلمين. وقد خرج العباس فيما يرويه بن سعد في طبقاته وكذا أنساب البلاذري، خاطبا في الناس معلنا موته.