حتى أن أبا سفيان، هذا، الذي كان حريصا كأشد ما يكون الحرص على هدم الإسلام.
وبذل وسعه في إقصاء بني هاشم. هاهو اليوم يربكه الموقف، ويعز عليه أن يتأمر عليه أهل حي إنما هو أحط حي في قريش. ولإمارة بني هاشم يومها أحب إليه ألف مرة من إمارة بني تيم بن مرة وعدي بن كعب. لقد قالها يومئذ:
" أما والله لئن بقيت لأرفعن من أعقابهما " (39).
وقد طلب البيعة من علي (ع) ورفض هذا الأخير بيعته لما يدركه منه من نوايا خبيثة.
فهو ما أراد ذلك إلا ليحارب بنعرة قبلية جاهلية. وهي النعرة التي يتجنب علي (ع) القتال بها. وهو من سمع أخاه رسول الله (ص) " يقول ليس منا من دعى إلى عصبية "!.
وفي ذلك يقول أمير المؤمنين علي (ع) لمعاوية: " فأبوك كان أعلم بحقي منك، وأن تعرف من حقي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك " (40).
وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه معاوية، إذ كثيرا ما رام الحط من الشيخين بطرق مختلفة، ومثال ذلك ما رواه الحمدي في الجمع بين الصحيحين، قال: " قال عبد الله بن عمر: دخلت على حفصة ونسواتها تنظف، قلت: قد كان من أمر الناس ما تبين، فلم يحصل لي من الأمر شئ، فقالت:
الحق لهم، فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية فقال: " من أراد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق منه ومن أبيه ".
هذا غيض من فيض مما رزح به التاريخ من أدلة قارعة، تكشف عن الواقع