إن الإسلام كما فهمه نفر كبير منهم، هو أن يرفع الله به أقواما ويحط به آخرين. فالقبلية كانت هي الأساس الذي يقوم عليه شأنهم ويتشكل منه وجدانهم. ويذكر المسعودي إن أبا بكر قد بلغه في أيام حكمه عن أبي سفيان، أمر، فأحضره وأقبل يصيح عليه، وأبو سفيان يتملقه ويتذلل له، وأقبل أبو قحافة فسمع صياح أبي بكر، فقال لقائده: على من يصيح ابني؟ فقال له: على أبي سفيان، فدنا من أبي بكر وقال له: أعلى أبي سفيان ترفع صوتك يا عتيق؟ وقد كان بالأمس سيد قريش في الجاهلية. لقد تعديت طورك وجزت مقدارك، فتبسم أبو بكر ومن حضره من المهاجرين والأنصار، وقال له: يا أبت، إن الله قد رفع بالإسلام قوما وأذل به آخرين.
وذكر بن عساكر في تهذيبه، إن عمر بن الخطاب قدم مكة، فقالوا له: إن أبا سفيان ابتنى دارا، فألقى الحجارة فحمل علينا السيل، فانطلق معهم عمر، وحمل الحجارة على كتف أبي سفيان، فرفع عمر يده وقال: الحمد لله الذي آمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعني.
أما موقف هؤلاء من بني هاشم الذين كانوا حطب النار في كل صراعات المجد. فقد كرهوا لها الخلافة فيما بعد: حق لا يجتمع لها فضل النبوة والخلافة.
فعندما قال البعض لعمر: " فما يمنعك منه؟ قال: أكره أن أتحملها حيا وميتا، وفي رواية لا أجمع لبني هاشم بين النبوة والخلافة " (37).
ولقد أدرك بعضهم خلفية تيار الاغتصاب، وواجههم بنفس المنطق. فهذا سعد بن عبادة الخزرجي يرفض بيعة أبي بكر، وتحصل بينه وعمر مشادات كلامية، ويقول له: " لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع ".
وأما أبو سفيان الذي أدرك أن أبا بكر وعمر بن الخطاب ما فعلا ذلك إلا طلبا للرفعة: " ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش، والله لئن شئت لأملأنها خيلا ورجالا " (38).