العباس، ولا يقال: إن الملك أدون رتبة من الخلافة، فكيف يكون خليفة ملكا " (104).
وعلى ذلك الأساس يكون معاوية من الخلفاء الراشدين، الذين سنتهم فرض على جميع المسلمين.
وإن الخلافة التي تأتي عن طريق المغالبة والعصبية ليست ملكا، كما يدعي أهل الأهواء، بل هي شرع له نظائره في سيرة الأنبياء. " واعلم أن الملك الذي يخالف بل ينافي الخلافة هي الجبروتية والمعبر عنها بالكسروية التي أنكرها عمر على معاوية حين رأى ظواهرها، وأما الملك الذي هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة فلا ينافي الخلافة والنبوة، فقد كان سليمان بن داود وأبوه نبيين وملكين وكانا على غاية الاستقامة في دنياهما وعلى طاعة ربهما عز وجل، ومعاوية لم يطلب الملك ولا أبهته للاستكثار من الدنيا، وإنما ساقه أمر العصبية مطبعها لما استولى المسلمون على الدولة كلها، وكان هو خليفتهم فدعاهم بما يدعو الملوك إليه قومهم عندما تستعمل العصبية وتدعو لطبيعة الملك (105) ".
ليس التهافت فيما يقوله ابن خلدون فحسب، وإنما البطشة الكبرى عندما تكون ذهنية الجبر والنزعة الحتمية متحكمة في سرده الأحداث وتقييمه للوقائع، نزعة التصويب التي بلغت قمة الاسراف في تاريخ بن خلدون، إن خبرة طويلة في مزاحمة البلاط، وسفر طويل في دهاليز التآمر والتزلف، وفشل قاتل لبلوغ المآرب آل عليا، كل ذلك كان مما لصق بذهن بن خلدون ومن خلاله نظر إلى التاريخ، فخلط وتاه بدون ضوابط.
إن منطق بن خلدون في تبرير السلطة والخلافة كما أحصاها عليه دارسو تاريخه من المستشرقين وغيرهم، استوعبوا هذه النزعة في تاريخه... ونلاحظ ذلك فيما تقدم من كلامه عندما اعتبر " الخلافة بعدي ثلاثون " حديثا لم يصح، وحجته في ذلك غير منطوقة، فهي مما يكشف عنه السياق... والسياق هنا هو تلك المحاولة الكبيرة في سبك تبرير يشد ظهر خلافة معاوية، بما يشوه حكم الله ويطعن في خاصرة الشريعة.