الخلافة المغتصبة - إدريس الحسيني المغربي - الصفحة ١٨١
العباس، ولا يقال: إن الملك أدون رتبة من الخلافة، فكيف يكون خليفة ملكا " (104).
وعلى ذلك الأساس يكون معاوية من الخلفاء الراشدين، الذين سنتهم فرض على جميع المسلمين.
وإن الخلافة التي تأتي عن طريق المغالبة والعصبية ليست ملكا، كما يدعي أهل الأهواء، بل هي شرع له نظائره في سيرة الأنبياء. " واعلم أن الملك الذي يخالف بل ينافي الخلافة هي الجبروتية والمعبر عنها بالكسروية التي أنكرها عمر على معاوية حين رأى ظواهرها، وأما الملك الذي هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة فلا ينافي الخلافة والنبوة، فقد كان سليمان بن داود وأبوه نبيين وملكين وكانا على غاية الاستقامة في دنياهما وعلى طاعة ربهما عز وجل، ومعاوية لم يطلب الملك ولا أبهته للاستكثار من الدنيا، وإنما ساقه أمر العصبية مطبعها لما استولى المسلمون على الدولة كلها، وكان هو خليفتهم فدعاهم بما يدعو الملوك إليه قومهم عندما تستعمل العصبية وتدعو لطبيعة الملك (105) ".
ليس التهافت فيما يقوله ابن خلدون فحسب، وإنما البطشة الكبرى عندما تكون ذهنية الجبر والنزعة الحتمية متحكمة في سرده الأحداث وتقييمه للوقائع، نزعة التصويب التي بلغت قمة الاسراف في تاريخ بن خلدون، إن خبرة طويلة في مزاحمة البلاط، وسفر طويل في دهاليز التآمر والتزلف، وفشل قاتل لبلوغ المآرب آل عليا، كل ذلك كان مما لصق بذهن بن خلدون ومن خلاله نظر إلى التاريخ، فخلط وتاه بدون ضوابط.
إن منطق بن خلدون في تبرير السلطة والخلافة كما أحصاها عليه دارسو تاريخه من المستشرقين وغيرهم، استوعبوا هذه النزعة في تاريخه... ونلاحظ ذلك فيما تقدم من كلامه عندما اعتبر " الخلافة بعدي ثلاثون " حديثا لم يصح، وحجته في ذلك غير منطوقة، فهي مما يكشف عنه السياق... والسياق هنا هو تلك المحاولة الكبيرة في سبك تبرير يشد ظهر خلافة معاوية، بما يشوه حكم الله ويطعن في خاصرة الشريعة.

(104) تاريخ ابن خلدون ص 621 ج 2.
(105) نفس المصدر ص 621 ج 2.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 7
2 مدخل 17
3 حركة النفاق في المجتمع الاسلامي 17
4 التدابير النبوية في تركيز الإمامة 26
5 نتيجة المدخل 35
6 النفاق والنهاية المفتعلة 43
7 الباب الأول الخلفاء الراشدون حبكة مفتعلة! الفصل الأول: الاصطلاح والمفهوم 53
8 أهل البيت والأعلمية 69
9 الخلفاء ما داموا مارسوا الخلافة 80
10 السقيفة والمعارضة 84
11 الخلفاء ما داموا صحابة 89
12 الفصل الثاني: الخلفاء والواقع التاريخي موقف الإمام علي (ع) مثالا 95
13 الباب الثاني أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخين؟ نموذج ابن خلدون التاريخ لماذا؟ 113
14 لماذا ابن خلدون؟ 117
15 ابن خلدون ووفاة الرسول (ص) وبدء الخلافة! 122
16 في مسألة تجهيز جيش أسامة 124
17 فتح باب أبي بكر، وذكر الخلة! 131
18 صلاة أبي بكر 135
19 خبر السقيفة 143
20 سعد الخزرجي وأساطير الجن 148
21 خلافة عمر 153
22 عثمان والفتنة 160
23 ابن خلدون ومعاوية بن أبي سفيان! 180
24 كربلاء.. نموذجا آخر 185
25 شبهات ابن خلدون والرد عليها 196
26 الباب الثالث عبقريات في الميزان أوهام مقدسة 209
27 العبقرية 211
28 الذاكرة أساس الشخصية 214
29 الخليفة الثاني عمر بن الخطاب 224
30 عثمان بن عفان 230
31 غاية الكلام في الثالثة 233
32 خاتمة 235