الخلافة المغتصبة - إدريس الحسيني المغربي - الصفحة ١٨٢
ولذلك لم يكن يجد حجة مناهضة في تبرير عدم تضارب الملك مع النبوة والخلافة في مثال ملك معاوية، بل ارتكز على ضرب متهالك من القياس، القياس مع الفارق! " أما الملك الذي هو الغلبة والقهر بالعصبية والشوكة فلا ينافي الخلافة والنبوة، فقد كان سليمان بن داود وأبوه صلوات الله عليهما نبيين وملكين وكلنا على غاية الاستقامة ".
فابن خلدون كان يجهل أو يتجاهل أن هذا قياس لا أساس ينهض به في مقام الحجية، لأن ملك داود وسليمان هو مما آتاهم الله إياه من دون غلبة أو عصبية، وإنه لم يكن في مقاومة أناس ربيين، أو سفك الدماء المؤمنة، أو سب الرموز الدينية، ومعاوية بن أبي سفيان، ممن أجرى أودية من الدماء كان ضحيتها جيل كامل من المسلمين، وإنه أقام ملكه على محاربة رموز الإيمان ومنازلة التراث الديني، وحسبك أن يعترف ابن خلدون بقيمة أهل البيت في مقام آخر حين اقتضى ذلك منمه التبرير، وقد كان معاوية شديدا عليهم، يقول ابن خلدون، متزلفا إلى الدولة الشريفية في المغرب ومدغدغا لمشاعرها: " على أن تنزيه أهل البيت عن مثل هذا من عقائد أهل الإيمان، فالله سبحانه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. ففراش إدريس طاهر من الدنس ومنزه عن الرجس بحكم القرآن. ومن اعتقد خلاف هذا فقد باء بإثمه وولج الكفر من بابه ". ولا يهمنا هنا إن كان ابن خلدون قال ذلك في لحظة الدفاع عن مآرب أخرى. كأن يركز على طهارة المنسب ورفعته في عصمة بعض الخلفاء من القيام بما ذكره المؤرخون في أحوالهم كالرشيد والمأمون. إن ذلك عندي من باب " صلى وصام لأمر يطلبه، فلما قفى الأمر فلا صلى ولا صاما ".
ولكنها تبقى شهادة منه تؤكد على عظمة شأن أهل البيت وعصمة القرآن لهم، وهذا لم يمنعه من أن يبرر ملك معاوية الذي قام على قتال وحصار أهل البيت (ع). حتى أن ابن خلدون أنهى كلامه في كل تلك الأحداث بمدح معاوية والدعاء قائلا:
" والله يحشرنا في زمرتهم ويرحمنا بالاقتداء بهم ".
لقد أسس ابن خلدون موقفه من معاوية على أساس النسب والشرع،
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة 7
2 مدخل 17
3 حركة النفاق في المجتمع الاسلامي 17
4 التدابير النبوية في تركيز الإمامة 26
5 نتيجة المدخل 35
6 النفاق والنهاية المفتعلة 43
7 الباب الأول الخلفاء الراشدون حبكة مفتعلة! الفصل الأول: الاصطلاح والمفهوم 53
8 أهل البيت والأعلمية 69
9 الخلفاء ما داموا مارسوا الخلافة 80
10 السقيفة والمعارضة 84
11 الخلفاء ما داموا صحابة 89
12 الفصل الثاني: الخلفاء والواقع التاريخي موقف الإمام علي (ع) مثالا 95
13 الباب الثاني أزمة تاريخ أم أزمة مؤرخين؟ نموذج ابن خلدون التاريخ لماذا؟ 113
14 لماذا ابن خلدون؟ 117
15 ابن خلدون ووفاة الرسول (ص) وبدء الخلافة! 122
16 في مسألة تجهيز جيش أسامة 124
17 فتح باب أبي بكر، وذكر الخلة! 131
18 صلاة أبي بكر 135
19 خبر السقيفة 143
20 سعد الخزرجي وأساطير الجن 148
21 خلافة عمر 153
22 عثمان والفتنة 160
23 ابن خلدون ومعاوية بن أبي سفيان! 180
24 كربلاء.. نموذجا آخر 185
25 شبهات ابن خلدون والرد عليها 196
26 الباب الثالث عبقريات في الميزان أوهام مقدسة 209
27 العبقرية 211
28 الذاكرة أساس الشخصية 214
29 الخليفة الثاني عمر بن الخطاب 224
30 عثمان بن عفان 230
31 غاية الكلام في الثالثة 233
32 خاتمة 235