يده للبيعة. كان قد مضى على وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ربع قرن تقريبا. وخلال هذه المدة لم ترو الأحاديث لتعريف المسلمين بفضائل أهل البيت. ونتيجة لهذا فإن مساحة عريضة من شباب المسلمين حينئذ لم يكن لديهم أدنى معرفة بعلي بن أبي طالب عليه السلام. ويبدو هذا بوضوح في تخاذل قواته فيما بعد في تنفيذ أوامره. فالشباب نشأ في عصر الفتوحات حيث المال والتنافس والجور. ولقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الثقافة في قوله.
" لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع. فكلما طلع من الجور شئ ذهب من العدل مثله حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره. ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل فكلما جاء من العدل شئ. ذهب من الجور مثله حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره " (76) باختصار كان أمير المؤمنين يقف في دائرة مملوءة بالغرباء.
وكان من أقواله في هذه الدائرة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم. " طلب الحق غربة " (77) لقد كان عليه أن يواجه الرؤوس ولكن القاعدة التي سيستند عليها في معظم الأحوال لم يسهر عليها ولم يربيها بنفسه. وأمام هذه الحقيقة عندما طالب الصحابة بمبايعته تردد في أول الأمر. ليس خوفا من الموقف. وإنما لعلمه أن تقدمه سيفتح بابا إلى الجنة وبابا إلى النار. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سئل: من يحمل رأيتك يوم القيامة يا رسول الله؟ قال. " من يحسن من يحملها إلا من حملها في الدنيا علي بن أبي طالب) (78) لقد كان أمير المؤمنين يجد الطريق طويل وعليه يسقط الكثير وهذا ما كان يحزنه. لكنهم عندما أصروا على مبايعته قبلها ومما ذكره الطبري: فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام. ولا نجد اليوم أحق بهذا الأمر منك. لا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله. فقال. لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا. فقالوا لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك. قال: ففي المسجد فإن لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضى المسلمين. وروي بسند آخر: (فجاء فصعد المنبر. فاجتمع الناس إليه.