الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٤٩
الذي وراء هذا. أن قوم لوط لم يتقدموا قدما في اتجاه التوبة، لم يكن في بيوتهم وأنديتهم من يفكر في الطهارة: كان الجميع تحت عقيدة واحدة ويشربون من إناء ثقافة واحدة. لذلك عندما استشفع إبراهيم عليه السلام لهم كانت الإجابة:
(قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) (94) (إن إبراهيم لحليم أواه منيب * يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) (95).
لقد طمست عيون القرية التي كان يسكنها لوط عليه السلام بإشارة من إصبع جبرائيل عليه السلام وطمست عيون القرى بحفنة من تراب ألقاها وقال شاهت الوجوه. وقضى الله أن يتخبطوا في الظلام كي يذوقوا مرارة الفزع قبل أن يأتيهم العذاب الأليم حيث لا ينفعهم قانون ولا ينفعهم قاضي الغلمان. لقد عاش قوم لوط ككتل آدمية تربت في الظلام، تنفخ فيها ثقافة فتجعلها تكبر سريعا. وكلما اشتد عودها كلما اعوجت وبدأت فظة مغمورة بالدنس. لقد اشتغلوا في حياتهم قطاع طرق، ليس من أجل سرقة الأمتعة فقط، وإنما من أجل سلب نور الفطرة بوضع أغطية الشذوذ عليها ليصبح الإنسان في مرتبة أدنى من مرتبة البهيمة. وفي الوقت الذي كانوا يقطعون نور الفطرة ببث ثقافتهم هنا وهناك، كانوا يحاربون الإنسان في كل مكان تحت عنوان قطع سبيل التناسل، وأمام سلبهم لنور الفطرة طمس الله على عيونهم وتركهم في ظلمات يتخبطون. حتى يأتي الصباح، فعند الصباح سيدفعون ثمن الجريمة كاملا، وفي الآخرة عذاب أليم.
2 - عندما جاء الصباح:
يقول تعالى لرسوله الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون * فأخذتهم الصيحة مشرقين * فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) (96) قال المفسرون: يقول الله تعالى لنبيه محمد. أقسم بحياتك وبقائك يا محمد. إنهم لفي سكرتهم. وهي غفلتهم

(94) سورة العنكبوت، الآية: 32.
(95) سورة هود، الآيتان: 75 - 76.
(96) سورة الحجر، الآيات: 72 - 74.
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست