ولأوبخنه، فدنوت منه، فلما رآني مقبلا نحوه، قال: يا شقيق، اجتنبوا كثيرا من الظن، إن بعض الظن إثم، ثم تركني وولى. فقلت في نفسي: إن هذا الأمر عجيب، تكلم بما في خاطري، ونطق باسمي، هذا عبد صالح، لألحقنه وأسألنه الدعاء، وأتحلله بما ظننت فيه، فغاب عني ولم أره، فلما نزلنا وادي فضة، فإذا هو قائم يصلي، فقلت: هذا صاحبي، امض إليه واستحله، فصبرت حتى فرغ من صلاته، فالتفت إلي وقال: يا شقيق، أتل (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى)، ثم قام ومضى وتركني، فقلت: هذا فتى من الأبدال، قد تكلم على سري مرتين، فلما نزلنا " بالأبواء " إذا أنا بالفتى على البئر، وأنا أنظر إليه وبيده ركوة فيها ماء، فسقطت من يده في البئر، فرمق إلى السماء بطرفه، وسمعته يقول:
أنت شرابي إذا ظمئت من الماء * وقوتي إذا أردت طعاما ثم قال: إلهي وسيدي ما لي سواك فلا تعدمنيها، فوالله لقد رأيت الماء، قد ارتفع إلى رأس البئر والركوة طافية عليه، فمد يده فأخذها، فتوضأ منها، وصلى أربع ركعات، ثم مال إلى كثيب رمل، فجعل يقبض بيديه، ويجعله في الركوة ويحركها ويشرب، فأقبلت نحوه، وسلمت عليه، فرد علي السلام، فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم الله به عليك، فقال: يا شقيق: لم تزل نعم الله علي ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنك بربك، ثم ناولني الركوة فشربت منها، فإذا فيها سويق بسكر، فوالله ما شربت قط ألذ منه، ولا أطيب، فشربت ورويت حتى شبعت فأقمت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا.
ثم لم أره حتى نزلنا بمكة فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب نصف الليل، وهو قائم يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى طلع الفجر، ثم قام إلى حاشية المطاف، فركع ركعتي الفجر هناك، ثم صلى الصبح مع الناس، ثم دخل المطاف فطاف إلى بعد شروق الشمس، ثم صلى خلف المقام، ثم رجع يريد الذهاب، فخرجت خلفه أريد السلام عليه، وإذا بجماعة أحاطوا به يمينا