الخير، ويؤجر عليه، وهذا هو السبب في أن الأئمة لم يدخلوا في معترك الصفات والجبر والاختيار والقدر، ولم يدلوا بدلوهم في طريق الكلام المتشعبة، إلا ليجمعوا الآراء كلها، فيخرجوا منها، كما دخلت هي في القرآن، ومعنى هذا أن أهل الجبر اختاروا ناحية من القرآن، واختار أهل الاختيار ناحية أخرى، والأمر كذلك بالنسبة للصفات، والكل يستند إلى آيات من القرآن (1).
وكان دور الأئمة أن يعودوا بهذه الآراء المتشعبة والمختلفة إلى القرآن من جديد، فيحملوا على التحديد والاختيار، ويردوا الأمر إلى نصابه، فحين سئل الإمام الباقر عن الجبر والاختيار (2) قال: " إن الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب، ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرا فلا يكون " (3).
ثم سئل: هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ قال: نعم، أوسع مما بين الأرض والسماء.
فالإمام الباقر إذن: ينفي الجبر على الإطلاق أولا، ثم ينفي الاختيار على الإطلاق أيضا، ومعنى هذا: أنه يجمعهما، ثم يجعل بين الجبر والقدرة منزلة ثالثة.