مات، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي في غزاة واحدة، أفترون حزنهم يذهب من قلبي " (1).
ثم تطورت فكرة البكاء تطورا زهديا، عبر عنه الإمام علي زين العابدين بقوله: " فقد الأحبة غربة " (2)، ويقول ولده الإمام الباقر: " ما اغرورقت عين بمائها، إلا حرم الله وجه صاحبها على النار "، بل إن الإمام الباقر، إنما يقسم البكاء - كما قسم المعرفة (وكذلك فعل أبوه من قبل) (3) - فقال: " فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة، وما من شئ إلا له جزءا إلا الدمعة، فإن الله يكفر بها بحور الخطايا، ولو أن باكيا بكى في أمة، لحرم الله تلك الأمة على النار " (4).
وهكذا نرى جذور البكاء في الزهد والتصوف، حتى تحولت إلى الذكر الذي يصفي القلوب، كما يصفيها بكاء الشيعي على الإمام الشهيد - مولانا الإمام الحسين - الذي كانت مجالس البكاء عليه تعقد جهارا أيام " المأمون " (189 - 218 ه - 813 - 833 م)، وقد ربط الإمام الباقر البكاء بالذكر صراحة فقال:
" الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن، ولا تصيب الذاكر "، وقد رأينا البكاء ومنزلته، فلا بد أن يقترن بالذكر لتنمحي الذنوب، وهكذا أسس الشيعة جذور البكاء في الذكر، ببكائهم على الشهيد - الإمام الحسين (5) -.
هذا وقد زكى المحدث الفقيه ابن حجر الهيثمي في صواعقه، الإمام الباقر صوفيا بقوله فيه: وله من الرسوم في مقامات العارفين، ما تكل عنه ألسنة