فأكلت وشربت، ثم عدت إلى مجلسي مع الجماعة، ولم يشعر بي أحد، فلما رآني تبسم وقال: أفطرت، فخجلت، فقال: لا عليك يا أبا هاشم، إذا رأيت أنك ضعفت، وأردت القوة، فكل اللحم، فإن الكعك لا قوة فيه، وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثا، فإن البنية إذا أنهكها الصوم، لا تتقوى إلا بعد ثلاث.
قال أبو هاشم: ثم لم تطل مدة الإمام أبي محمد بن علي في الحبس بسبب أن قحط الناس في " سر من رأى " (سامراء) قحطا شديدا، فأمر الخليفة المعتمد على الله بن المتوكل بخروج الناس إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون، فلم يسقوا، فخرج " الجاثليق " في اليوم الرابع إلى الصحراء، وخرج معه النصارى والرهبان، وكان فيهم راهب، كلما مد يده إلى السماء هطلت بالمطر، ثم خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم في أول يوم، فهطلت السماء بالمطر، فعجب الناس من ذلك، وداخل بعضهم الشك، وصبا بعضهم إلى دين النصرانية، فشق ذلك على الخليفة، فأنفذ إلى صالح بن يوسف أن أخرج أبا محمد من الحبس، وائتني به.
فما حضر الإمام أبو محمد الحسن عند الخليفة قال له: أدرك أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، فيما لحقهم من هذه النازلة العظيمة.
فقال الإمام أبو محمد: دعهم يخرجون غدا اليوم الثالث، فقال الخليفة:
لقد استغنى الناس عن المطر، فما فائدة خروجهم.
قال الإمام: لأزيل الشك عن الناس، وما وقعوا فيه.
فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا أيضا في اليوم الثالث، على جاري عادتهم، وأن يخرج الناس، فخرج النصارى، وخرج معهم الإمام أبو محمد الحسن، ومعه خلق من المسلمين، فوقف النصارى، على جاري عادتهم يستسقون، وخرج راهب معهم، ومد يده إلى السماء، ورفعت النصارى والرهبان أيديهم أيضا كعادتهم، فغيمت السماء في الوقت، ونزل المطر.