إلى تركها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " اعبد الله في الرضا، فإن لم تستطع، ففي الصبر على ما تكره خير كثير "!
ويقول الغزالي إن ميل النفس إلى مقتضيات الشهوة، غريب في ذاته وعارض على طبعه (لأن غذاء القلب الحكمة والمعرفة وحب الله عز وجل) " فإذا كانت النفس بالعادة تميل إلى القبائح، فكيف لا تستلذ الحق لو ردت إليه مدة والتزمت المواظبة عليه؟! "، " ويستنتج من هذا أن الأخلاق الجميلة يمكن اكتسابها بالرياضة، وهي تكلف الأفعال الصادرة ابتداء، لتصير طبعا انتهاء ويقول: " إن هذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح (النفس والبدن)، فإن كل صفة تظهر في القلب، يفيض أثرها على الجوارح، حتى لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة، وكل فعل يجري على الجوارح، فإنه قد يرتفع منه أثر إلى القلب والأمر فيه دور "!
" ولما كان الاعتدال في الأخلاق، وهو صحة النفس، كما أن الاعتدال في مزاج البدن هو صحة له، فيقول الغزالي " إن مثال النفس في علاجها بمحو الأخلاق الرديئة عنها، وجلب الأخلاق الجميلة إليها، مثال البدن في علاجه بمحو العلل عنه وكسب الصحة له، وكما أن الغالب على أصل المزاج الاعتدال، وإنما تعتري المعدة المضرة بعوارض الأغذية والأهوية والأحوال، فكذلك كل مولود يولد معتدلا صحيح الفطرة، فبالاعتياد والتعليم تكتسب الرذائل، كما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملا وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم، وكما أن البدن إن كان صحيحا، فشأن الطبيب تمهيد القانون الحافظ للصحة وإن كان مريضا فشأنه جلب الصحة إليه، فكذلك النفس منك، إن كانت زكية طاهرة مهذبة، فينبغي أن تسعى لحفظها وجلب مزيد قوة إليها واكتساب زيادة صفائها، وإن كانت عديمة الكمال والصفاء، فينبغي أن تسعى لجلب ذلك إليها، وكما أن العلة المغيرة لاعتدال البدن الموجبة للمرض، لا تعالج إلا بضدها، فإن كانت من حرارة فالبرودة، وإن كانت من برودة فبالحرارة، كذلك الرذيلة التي