إلى الطبيب فيما يخص مرضه، وفيما يلزمه في نفسه الاحتماء عنه، ليعرفه أولا تفصيل ما يضره من أفعاله وأحواله ومأكوله ومشروبه، وليبين له العلاج الخاص لهذه العلة الخاصة)!
ولذا يرى الغزالي في موضع آخر، أن الطريق الذي يعرف به الإنسان عيوب نفسه أربعة طرق: أن يحكم في نفسه أستاذا بصيرا بعيوب النفس ويتبع إشارته في مجاهدته، أو أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا فينصبه رقيبا على نفسه، لينبهه على عيوبه الباطنة والظاهرة، أو أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه (فإن عين السخط تبدي المساويا)، أو أن يخالط الناس، فيرى من عيوب غيره، عيوب نفسه!
ويرى الغزالي أن أخص الآثار الحاصلة في القلب، هي الخواطر (أي إدراكاته علوما إما على سبيل التجدد بالفكر، وإما على سبيل التذكر، إذ تخطر بعد أن كان القلب غافلا عنها)، فتحرك - لأنها مبدأ الأفعال - الإرادات والرغبات، فالعزم فالنية فالأعضاء، وتنقسم هذه الخواطر إلى الهام محمود يدعو للخير، سببه الملك، وإلى وسواس مذموم يدعو للشر سببه الشيطان، فيتجاذب القلب بين التوفيق والإغواء، وهو بأصل الفطرة صالح لقبول آثار كل منها صلاحا متساويا (وإنما يترجح أحد الجانبين باتباع الشهوات أو الإعراض عنها)، ولكن لأنه لا يخلو عن صفات البشرية المتشعبة عن الهوى، لم يخل عن أن يكون للشيطان فيه جولان بالوسوسة، ولذا كانت حمايته عنها فرض عين على كل عبد مكلف!
ويقول إن للقلب أربع أحوال قبل العمل بالجارحة: الخاطر فالميل فالاعتقاد، فالهم، فالخاطر كما لو خطر له مثلا صورة امرأة أي حدثته نفسه بها، فإذا هاجت الرغبة إلى النظر تبعا لحركة الشهوة التي في الطبع، كان الميل، وهي أمور اضطرارية لا تدخل تحت الاختيار، تهجس في النفس ولا يتبعها عزم على الفعل، ولذا يرى الغزالي أنه لا يؤاخذ به، فإذا حكم القلب واعتقد أنه ينبغي أن ينظر إليها (ما لم يمنعه حياء أو خوف أو تأمل، من الالتفات)،