فيؤاخذ عنده بالاختياري منه، ولا يؤاخذ بالاضطراري، فإذا هم بالفعل بتصميم العزم على الالتفات وجزم النية فيه، فيرى أنه مؤاخذ به، إلا أنه إن لم يفعل (إذ قد ينعدم بعد الجزم، فيترك العمل)، فإن كان قد تركه خوفا من الله تعالى وندما على همه، كتبت له حسنة، (لأنه رجح جهده في الامتناع وهمه به، على همه بالفعل)، وإن تعوق الفعل بعائق، أو تركه بعذر عارض، لا خوفا من الله تعالى، كتبت عليه سيئة، (لأن همه فعل من القلب اختياري).
وبذا وفق الغزالي، بين ما يدل على المؤاخذة، كقوله تعالى " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه، يحاسبكم به الله، فيغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء "، وقوله " إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك، كان عنه مسؤولا "، وما يدل على العفو، كقول النبي الكريم " عفي عن أمتي، ما حدثت به نفوسها، ما لم تتكلم به أو تعمل به ".
ويقول الغزالي: إن فضل الخوف والرجاء، بحسب داء القلب الموجود، فإن كان الغالب على القلب داء الأمن من مكر الله تعالى، والاغترار به، وعصيان أمره، فالخوف أفضل، وإن كان الأغلب هو القنوط من رحمة الله (فترك العبادة، أو أسرف في المواظبة عليها، حتى أضر بنفسه وأهله)، فالرجاء أفضل!
أما عند الموت، فالأصلح غلبة الرجاء وحسن الظن " وأما روح الرجاء فإنه يقوي قلبه، ويحبب إليه ربه الذي إليه رجاؤه، ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبا لله تعالى، ليكون محبا للقاء الله " فإن من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه "، وغاية السعادة، أن يموت محبا لله تعالى.
ويقول الغزالي " إن حال الرجاء، يغلب باستقراء الآيات والأخبار والآثار، وبالاعتبار بأن العناية الإلهية إذا لم تقصر عن عباده، حتى لم يرض لهم أن تفوتهم المزايد والمزايا في الزينة والحاجة، كيف يرضى بانسياقهم إلى الهلاك المؤبد، بل إذا نظر الإنسان نظرا شافيا، علم أن أكثر الخلق قد هيئ له أسباب السعادة في الدنيا، حتى أنه ينكر الانتقال من الدنيا بالموت، وإن أخبر بأنه لا يعذب بعد الموت أبدا مثلا ولا يحشر أصلا، فليست كراهتهم