الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٨٥
(ي) مراقبة الله في الرجاء والخوف:
يقول الغزالي: إن الرجاء هو ارتياح القلب (ولذته) لانتظار محبوب (متردد فيه غير مقطوع به)، تمهدت جميع أسبابه الداخلة تحت اختيار العبد، ولم يبق إلا ما ليس يدخل تحت اختياره وهو فضل الله تعالى بصرف المفسدات!
والرجاء باعث بطريق الرغبة يضاده اليأس (الذي يمنع من التعهد ويصرف عن العمل)، فإذا حال الرجاء يورث طول المجاهدة بالأعمال، والمواظبة على الطاعات، ومن آثاره التلذذ بدوام الإقبال على الله تعالى والتنعم بمناجاته، فإن كان لا يظهر، فليستدل به على الحرمان عن مقام الرجاء، والنزول في حضيض الغرور - إن كان انتظارا مع انخرام أسبابه - والتمني - إن كان انتظارا من غير سبب).
والخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في الاستقبال، والمحمود منه هو الاعتدال، فأما القاصر منه، فهو الذي يجري مجرى رقة النساء وهو يخطر بالبال عند سماع آية من القرآن، فيورث البكاء وتفيض الدموع، وكذلك عند مشاهدة سبب هائل، فإذا غاب ذلك السبب عن الحس رجع القلب إلى الغفلة، فهذا خوف قليل النفع!
وأما المفرط، فإنه الذي يجاوز حد الاعتدال، حتى يخرج إلى اليأس، وهو مذموم أيضا لأنه يمنع من العمل، وقد يخرج الخوف أيضا إلى المرض والضعف وإلى زوال العقل والموت، فالمراد من الخوف هو الحمل على العمل، ولولاه لما كان الخوف كمالا، وفائدة الخوف الحذر، والورع، والتقوى، والمجاهدة والعبادة والفكر والذكر، وسائر الأسباب الموصلة إلى الله تعالى، وكل ذلك يستدعي الحياة مع صحة البدن وسلامة العقل، فكل ما يقدح في هذه الأسباب فهو مذموم، وأفضل السعادات طول العمر في طاعة الله تعالى!
ويقول الغزالي إن الخوف لا يتصور أن ينفك مؤمن عنه، وإن ضعف ويكون ضعف خوفه بسبب معرفته وإيمانه، والرجاء والخوف مثلا زمان لأن كل من رجا محبوبا، فلا بد وأن يخاف فوته، ويجوز أن يغلب أحدهما
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»