الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٩٧
هي مرض القلب، علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالتعلم، ومرض البخل بالتسخي، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهي تكلفا، وكما أنه لا بد من الاحتمال لمرارة الدواء وشدة الصبر على المشتهيات لعلاج الأبدان المريضة، فكذلك لا بد من احتمال مرض المجاهدة والصبر لمداواة مرض القلب، وكما أن كل مبرد لا يصلح لعلة سببها الحرارة، إلا إذا كان على حد مخصوص، ويختلف ذلك بالشدة والضعف والدوام وعدمه وبالكثرة والقلة، فكذلك النقائص التي تعالج بها الأخلاق، لا بد لها من معيار، وكما أن معيار الدواء مأخوذ من عيار العلة، حتى أن الطبيب لا يعالج ما لم يعرف أن العلة من حرارة أو برودة، فإن كانت من حرارة، فيعرف درجتها أهي ضعيفة أم قوية، فإذا عرف ذلك التفت إلى أحوال البدن وأحوال الزمان وسنه وسائر أحواله، ثم يعالج بحسبها، فكذلك الذي يطب نفوس المريدين ويعالج قلوب المسترشدين، ينبغي أن لا يهجم عليهم بالرياضة والتكاليف في فن مخصوص وفي طريق مخصوص، ما لم يعرف أخلاقهم وأمراضهم، وكما أن طبيب الأجسام لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد، قتل أكثرهم، فكذلك طبيب النفوس لو أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة، أهلكهم وأمات قلوبهم "!
أي أن الغزالي يرى أن الطريق الكلي سلوك مسلك المضادة لكل ما تهواه النفس " وأما من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى ".
وقد ذكر في عدة مواضع، أمثلة شتى للعلاج بالمضادة، فيقول مثلا إن علة العجب الجهل المحض، فعلاجه المعرفة، والمعرفة ترينا أنه لا محل للعجب، لأنه كل ما يعجب به من فضل الله، وإنما هو محل لفيضان فضله تعالى وجوده، فالأولى أن يعجب بمن إليه الأمر كله!
وقد ذكر الغزالي أيضا أمثلة كثيرة في عدة مواضع، للعلاج بمعجون العلم والعمل، فيرى مثلا أن علاج حب الجاه مركب من علم وعمل، أما العلم فهو أن يعلم أن كمال القدرة على أشخاص الناس وعلى قلوبهم، لا ينبغي أن يترك به
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»