الإنسان نفسه وروحه وهي باقية، وتغير حاله من جهتين، إحداهما أنه سلبت منه جميع أعضائه، وسلب منه ولده وأقاربه وسائر معارفه وماله، إلى عالم آخر لا يناسب هذا العالم، والثاني أن ينكشف له بالموت ما لم يكن مكشوفا له في الحياة، كما قد ينكشف للمتيقظ ما لم يكن مكشوفا في النوم، وأول ما ينكشف له ما يضره وينفعه من حسناته وسيئاته، وينكشف للمؤمن عقيب الموت من سعة جلال الله، ما تكون الدنيا بالإضافة إليه كالسجن (1)!
* * * وقد جاء في إنجيل برنابا " إن إلهنا، لأجل أن يظهر لخلائقه جوده ورحمته وقدرته على كل شئ، مع كرمه وعدله، صنع مركبا من أربعة أشياء متضاربة ووحدها في شبح واحد نهائي هو الإنسان، وهي التراب والهواء والماء والنار، ليعدل كل منها ضده، وصنع من هذه الأشياء الأربعة إناء، وهو جسد الإنسان من لحم وعظام ودم ونخاع وجلد مع أعصاب وأوردة وسائر أجزائه الباطنية، ووضع الله فيه النفس والحس، بمثابة يدين لهذه الحياة، وجعل مثوى الحس في كل جزء من الجسد، لأنه انتشر هناك كالزيت، وجعل مثوى النفس القلب حيث تتحد مع الحس، فتتسلط على الحياة كلها، فبعد أن خلق الله الإنسان هكذا، وضع فيه نورا يسمى العقل، ليوحد الجسد والحس والنفس، لمقصد واحد، وهو العمل لخدمة الله (2) "!
" ألا تعلمون أن الله قد خلق بكلمة واحدة، كل شئ من العدم، وأن منشأ البشر جميعهم من كتلة طين؟ فكيف إذا يكون الله شبيها بالإنسان؟!
ويل للذين يدعون الشيطان يخدعهم (3) " " قولوا لي أيها الإخوة! هل هذا العالم وطننا؟ لا البتة! فإن الإنسان