(فالنواة لا تصير نخلا مثلا إلا بالتربية، ولا تصير تفاحا أصلا)، فكذلك الغضب والشهوة، لا نقدر على قمعهما أصلا، ولكن لو أردنا سلاستهما وقودهما بالرياضة والمجاهدة، قدرنا عليه، ولا يعارضنا في هذا اختلاف الجبلات (إذ بعضها بطئ القبول، وبعضها سريعه، وسبب هذا قوة الغريزة في أصل الجبلة، وامتداده مدة الوجود)، ثم إن الخلق قد يتأكد بكثرة العمل بمقتضاه والطاعة وباعتقاد كونه حسنا ومرضيا!
ويرد الغزالي على قولهم إن الآدمي ما دام حيا، فلا ينقطع عنه الغضب والشهوة وحب الدنيا، ولذلك لا يمكن تغيير الأخلاق، فيقول " إن هذا غلط وقع لطائفة ظنوا أن المقصود من المجاهدة، قمع هذه الصفات بالكلية ومحوها وهيهات، فإن الشهوة خلقت لفائدة وهي ضرورية في الجبلة، فلو انقطعت شهوة الطعام، لهلك الإنسان، ولو انقطعت شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه ولهلك، ومهما بقي أصل الشهوة، فيبقى لا محالة حب المال الذي يوصله إلى الشهوة حتى يحمله ذلك على إمساك المال، وليس المطلوب إماطة ذلك بالكلية، بل المطلوب ردها إلى الاعتدال، الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط "!
ويرى الغزالي أن حسن الخلق، يحصل على وجهين:
(1) جود إلهي وكمال فطري، بحيث يخلق الإنسان ويولد كامل العقل حسن الخلق (كسائر الأنبياء)!
(2) اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة، بحمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب (فقه النفس): ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس ما لم تتعود جميع العادات الحسنة، وما لم تترك جميع الأفعال السيئة، وما لم تواظب عليها مواظبة من يشتاق إلى الأفعال الجميلة، ويتنعم بها، ويكره الأفعال القبيحة ويتألم بها، ومهما كانت العبادات وترك المحظورات مع كراهة واستثقال فهو النقصان، ولا ينال كمال السعادة به، والمواظبة عليها بالمجاهدة خير بالإضافة